اذا لم تكن من مفاجآت سيئة يخبئها “حزب الله” في المدى المنظور، فلا نتصور ان ارتفاع لهجة أمينه العام السيد حسن نصرالله الأخير ضد “تيار المستقبل” ستكون له نتائج دراماتيكية مباشرة على الساحة اللبنانية. فالأرجح أن نصرالله أراد من خلال رفع لهجة خطابه السياسي أن يذكّر محاوره “اللدود” بأن للمواقف الخطابية حدوداً يجب ألا تتجاوزها حتى يبقى “الحوار” قائماً، وان بوظيفته المحدودة المتفق عليها، أي “التهدئة” ومنع انزلاق الساحة الى توترات كبيرة.
إن قراءتي للكلام الأخير لنصرالله الذي رد فيه بشكل أو آخر على الموقف الذي أطلقه “أهدأ” المستقبليّين (الوزير نهاد المشنوق) هدف إلى الحد من الخطاب الاعلامي الذي يعتبره تصعيدياً. فـ”حزب الله” غير مضطر في الوقت الراهن الى أن يقلب الطاولة على خصومه في الداخل. هو ينتظر “تغيير” موازين القوى في الميدان في سوريا التي تمثل الساحة الرئيسية للمواجهة الاقليمية. لا يستعجل “حزب الله” انقلابه الآتي قبل أن يستند إلى موقف إقليمي صلب في سوريا. ثم إن الواقع الراهن لا يزعج الحزب المذكور، لأن أحداً من الخصوم لم يعد يرفع سيف المواجهة ضد سلاحه غير الشرعي كما في الماضي، وجرى خلال عهد الحكومة الحالية تنفيذ “خطط أمنية” في المناطق التي توالي بغالبيتها قوى 14 آذار، فيما لم تخط “دولة القانون” خطوة واحدة معتبرة في اتجاه مناطق نفوذ “حزب الله”، إن في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية لبيروت.
عملياً، لا أرى في الواقع الحالي القائم على التعطيل في كل مكان من دون انزلاقات في الشارع، ما يزعج “حزب الله”، أو ما يمكن أن يهدد هدفه الأبعد المتمثل بمحاولة الانقلاب على الجميع، في لحظة مؤاتية.
في الأثناء، أعتقد أن الحديث عن مبادرات لتحريك ملف الرئاسة، والاقتراحات المتداولة مثل انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً لمدة انتقالية تبلغ سنتين، غير عملية، والقوى المعنية بالاستحقاق الرئاسي غير مستعجلة: “حزب الله” لأنه يحضر لانقلاب داخلي يبنيه على تغيير محتمل في موازين القوى في سوريا، وعون الذي ينتظر أن تتحقق وعود “حزب الله” وبشار الأسد له بأن يصبر حتى تشرين الأول او تشرين الثاني ليحصد ما زرعه، وقوى 14 آذار التي تعتبر أن عون في الرئاسة يوازي نصرالله في الرئاسة، وتنتظر من ناحيتها أن يفشل الهجوم الروسي – الإيراني على سوريا، فتتراجع طموحات 8 آذار لبنانياً لتقبل برئيس توافقي حقيقي.
إن الحدث السوري أهم من أي حدث لبناني، مهما كان كبيراً. لذلك لا تغيير جدياً، ولا ضرورة لقراءات دراماتيكية. أما الحكومة فلنقلها صراحة: لقد كانت في الأساس حكومة تصريف أعمال، وواهم من يظن للحظة أنها كانت مقبلة على “إنجازات” حقيقية. خلاصة القول، نصيحتي للجميع بأن يهدّئوا اللعبة، لأن “اللعبة” هي في سوريا أولاً وأخيراً! فلننتظر.