Site icon IMLebanon

متحاصصون حتّى في قتلها

 

أحزاب الجبهة اللبنانية حملت السلاح في بداية الحرب الأهلية في وجه من حاولوا بناء دولة داخل الدولة. الأحزاب اليسارية حملت السلاح لتهديم الدولة الطائفية وبناء دولة علمانية.

 

حركة “أمل” واجهت الفلسطينيين بالسلاح دفاعاً عن شرعية الدولة. “حزب الله” يطلب قيام الدولة القوية العادلة ليسلّمها سلاحه. “التيار الوطني الحرّ” لا يرى حلاً إلا بدولة خالية من الفساد ومن آل الحريري والسنّة ومن مرشّحي الرئاسة المحتملين من الموارنة.

 

تيار “المستقبل” يريد دولة تناصر، في الوقت ذاته، الربيع العربي والخليج العربي وتنزع السلاح غير الشرعي. ثورة 17 تشرين تناضل لإعادة بناء الدولة لكن بعض الثوار يسعى إلى تشكيل حكومة ومجلس انتقالي أو حكومة منفى، ما يتنافى مع مبدأ الثورة تحت سقف الدستور.

 

كل هذه الأحزاب والتيارات السياسية التي رفعت شعار الدولة لا تريد قيام الدولة، وإن أرادت، فهي لم تعمل على قيامها، وهي متّهمة إلى أن تثبت العكس.

 

كلّ تنظيم مسلّح يصنّف في خانة الميليشيات وهو بالتعريف معاد لوجود الدولة. وكلّ تنظيم سياسي لا يعتمد الديموقراطية في أنظمته الداخلية هو تنظيم استبدادي، والاستبداد عدو الدولة. وكلّ تنظيم سياسي يستقوي بالقوى الخارجية هو ضدّ الدولة لأنّ أيّ تدخّل خارجي، حتّى لو كان أخوياً هو اعتداء على السيادة.

 

هناك أحزاب لا تعترف بالدولة أصلاً. وثائق حزب التحرير ترى “أنّ لبنان كيان مصطنع، أعدّته فرنسا على أساس طائفي، فأعلن الجنرال غورو الحاقد على المسلمين دولة لبنان الكبير”، وترى أنّ “اللبنانيين لا يشكّلون شعباً، وأنّ المستعمر هو الذي “اخترع” أطروحة الوطن والوطنية”، وأنّ الوطن كان يعني، على ذمّة القاموس المحيط، “منزل الإقامة ومربط الغنم” وبالتالي فإنّ “الحلّ الجذري»” للأزمات المتناسلة في لبنان لا يكون بالدولة المدنية ولا بالدولة العلمانية، فهما مستوردان من الاستعمار، بل “بإعادة لبنان إلى حضارة الإسلام”.

 

وحزب التحرير”يحرّم الديموقراطية لأنّها نظام كفر من تسويق الغرب الكافر في بلاد المسلمين” وينادي بعودة الخلافة الإسلامية.

 

“حزب الله” يعتمد المنهج اللغوي ذاته في تفسير المصطلح، فيقول على لسان حسن فضل اللّه إنّ الوطن في اللغة هو دار الإقامة وتعبّر عنه مفردات مثل الديار والأرض والقرية والمدينة. وتعني هذه المفردات الوطن كحيّز جغرافي، وبالتعبير الجبلي، مرقد عنزة. ويتوّج الحزب هذه الابتكارات المصطلحية بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بديلاً من الثلاثية المولودة مع ولادة الأوطان، أي الشعب والأرض والسيادة، بما هي سيادة الدولة والقانون على حدود الوطن وداخل حدوده.

 

الذين يعيدون تاريخ لبنان إلى المتصرّفية أو القائمقاميتين أو إلى كتب الديانات السماوية هم أيضاً ضدّ الدولة لأنّ الدولة اللبنانية قامت عام 1920 وفي أبعد تقدير يوم إعلان الدستور. كلّ ما قبل ذلك ليس من تاريخ الدولة اللبنانية بل من تاريخ المقاطعات.

 

المتداولون بمصطلح الدولة الطائفية هم ضدّ الدولة، لأنهّم يخلطون بين الدولة والسلطة. الدولة كيان معنوي لا دين لها، بحسب قول محمد مهدي شمس الدين. أهل السلطة هم الطائفيون.

 

لا أحد بريء من العدوان على سيادة الدولة. من هنا يبدأ نقد الماضي وبناء لبنان الجديد.