عندما يجزم الرئيس نبيه بري بأن «داعش الاحتراب الداخلي»، يعادل «داعش» الخارج، يعني ذلك أن لبنان لامس الخط الأحمر، مصيراً ووجوداً. رغم ذلك، تستمر اللامبالاة الى درجة أن الفراغ الرئاسي، أصبح عادة، وهو يكاد يتمدد إلى جميع مؤسسات الدولة اللبنانية.
«داعش»، يمكن محاربته على الرغم من كل إرهابه ووقوفه على حدودنا علناً وحتى داخل مدننا وقرانا سرًّا. الحرب ضد «داعش» توحّد اللبنانيين في جبهة واحدة إن لم تكن لأسباب وطنية، على الأقل من باب الدفاع الذاتي.
أما «داعش» الداخل، فإن استمراره يرفع منسوب الخطر يومياً، لأن الوحدة مستحيلة والمقاومة في وجهه ممنوعة. كل فريق يؤكد صوابية موقعه، وصحة خياراته.
ما يزيد من حراجة الموقف، أن لبنان وضع بفضل تفاهمات ضمنية بين مختلف القوى الدولية والإقليمية تحت شبكة أمان، ما ضمن له استمرار السلم البارد الأهلي. لكن مهما كانت التفاهمات متعددة، فإن المتغيرات، خصوصاً إذا كانت عميقة وواسعة، تفرض قواعدها وتردداتها، لذلك دخل لبنان مرحلة الخطر الشديد، إذا لم يسارع «داعش» الداخل الى القيام بمبادرة تؤكد أن مصير لبنان وخلاصه أهم بكثير من كل الاسباب المعلنة حول الأحقية بالمواقع من الرئاسة الى الإدارة. اللبنانيون يريدون العيش والأمن والعمل والسلام.
دخلت المنطقة مرحلة التسويات الكبرى. ليس بالضرورة أن تكون غداً، بالعكس ستكون المفاوضات طويلة وصعبة جداً، خصوصاً وانه يوجد طرف قوي ومستقوٍ، وطرف ضعيف سلاحه الاعتراض والخوف، على الرغم من أنه يملك الكثير من أسباب القوة. دعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى التفاوض مع الرئيس بشار الأسد، تظهير لما كان مستوراً. طوال أربع سنوات لم تبدِ واشنطن أي نية لإسقاط بشار الأسد. أيضاً إسرائيل كانت وما زالت ملتزمة بهذا التوجه.
«طاعون داعش»، سرّع هذا التظهير. المشكلة لم تعد في مبدأ التفاوض، وإنما في ما يقبله الأسد. الى ذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية ستدخل بعد أشهر قليلة المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية. الادارة الأوبامية وإن كانت غير معنية مباشرة، لأن أوباما لن يترشح بحكم الدستور، إلا انها معنية بتهيئة كل الظروف والأسباب لإنجاح المرشح الديموقراطي. الدخول في «مغطس» الانتخابات سيخفف حكماً من الانتباه للمشاكل الصغيرة ومنها لبنان الى الحد الأدنى. وإذا كان ترفيع ديفيد هيل السفير الأميركي مهم على صعيده الشخصي، إلا إنه سلبي جداً بالنسبة للبنان. منذ الآن الاهتمام الأميركي الميداني سينخفض باختصار شديد وهو مقلق جداً، هل جرى ربط إلغاء الفراغ وانتخاب رئيس جديد للجمهورية الى:
[اكتمال الاتفاق الأميركي الايراني ومفاعيله المباشرة وغير المباشرة. المشكلة أن الوقائع والتطورات هي التي ستحدد النقاط والمواقع التي اتفق عليها الأميركيون والايرانيون.
[مرحلة انطلاق «قطار» الحل في سوريا موعد معلق على إزالة العقبات والألغام والاعتراضات وتخفيض عدد المعارضين سواء كانوا من القوى السورية أو العربية والاقليمية. ماذا لو لم يتم الاتفاق حتى الانتخابات الأميركية؟ وماذا عن سياسة الرئيس الأميركي المنتخب سواء كان ديموقراطياً أو جمهورياً، بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط الجديد»؟
[كيف سيتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب مع أي اتفاق أميركي إيراني، هل يبقى نهج نتنياهو هو السائد أم سيقع تغيير حقيقي يتناسب مع تاريخ العلاقات الأميركية الاسرائيلية؟
[ماذا سيكون موقف تركيا بكل ما يتعلق بمستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية التي تضع قوة موازية لها، ان لم تكن أكبر منها وحصول حل سياسي في سوريا يضمن بقاء الاسد أو نظامه على الأقل؟
[أخيراً، وهو الأهم، ما العمل مع الشعب السوري سواء الجزء الذي ثار منه أو الجزء الذي قَمَع؟ كيف يمكن ضمان سلام أهلي شامل خصوصاً بوجود غالب ومغلوب. والمغلوب خياره «داعش» لمواجهة الاحباط والقمع بكل ما يولد هذا من أحقاد مدمرة.
ما بعد «داعش»، غير ما قبله. العالم تغير وسيتغيّر أكثر. الرعب الأسود مخيف ومقلق وقاتل. أخطر ما في «داعش» انه لا توجد محرمات. من يستخدم غازات الكلور اليوم ضد «شعبه»، لن يتورع عن استعمال أسلحة أكثر فتكاً مثل الكيمياوية والنفايات المشعة ضد العراقيين أنفسهم والشعوب الأخرى في العالم؟
هل يكون الخلاص من «طاعون» داعش عن طريق تثبيت الكوليرا الأسدية، وفرض الهيمنة الايرانية في زمن الحروب المذهبية بكل أحقادها المدمرة؟