يعتقد خبراء في السياسة الأميركية تجاه لبنان والمنطقة، أنّ الولايات المتحدة كانت ولا تزال تُلقي عليه غطاءً يحتوي مجموعة من العناصر التي تعتقد أنها تحمي إستقرارَه، الذي ترى أنّ لها مصلحة فيه، قبل مصلحته.
فواشنطن، حسب هؤلاء الخبراء، ليس مسموحاً لديها حصول اي فوضى سياسية وأمنية (من نوع حادثة قبرشمون وغيرها) ولا فوضى إقتصادية أو مالية، ولهذا السبب لعبت دوراً ملحوظاً في دفع وكالة «ستاندرد اند بورز» الى الإبقاء على تصنيف لبنان الائتماني الحالي في مرتبة (ـ B) للستة أشهر المقبلة، مانعة تصنيفه في درجة CCC الذي كان منتظراً صدوره.
ويتردّد انّ واشنطن مارست ضغوطاً على بعض المؤسسات والوكالات الدولية الأخرى العاملة في مجال التصنيف الائتماني للدول، وأسفرت هذه الضغوط عن تأجيل خفض تصنيف لبنان لمدة 6 اشهر تكون بمثابة «مهلة حضّ» للبنان على تحقيق إصلاحات حيوية في بنيته الاقتصاديّة والمالية، وإصدار شيء لا يؤثر سلباً على الفوائد التي يدفعها لبنان على مستوى خدمة الدين العام.
وتحت عنوان «فترة السماح» هذه، والمحدّدة بستة أشهر، يقول الخبراء انفسهم، جرت المحادثات الاميركية مع رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته الاخيرة لواشنطن، و»كانت جدّية لآخر درجة من درجات الجدّية». وتبيّن انّ المسؤولين الاميركيين دعوا الحريري الى واشنطن ليبلغوا اليه مجموعة «مطالب – اصلاحات» على الدولة اللبنانية تلبيتها وإجراءها خلال الاشهر الستة المقبلة لتلافي الانهيار الاقتصادي والمالي. ففي رأي الاميركيين، انّ خطوة إقرار موازنة 2019 كانت جيدة، ولكن المطلوب أشياء أخرى مهمة، منها مكافحة الفساد والهدر في الاموال العامة وضبط اموال العائدات الجمركية في مطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت، وتسوية المخالفات في مجال الاملاك البحرية، وإنهاء الهدر في قطاع الكهرباء وغيره، لأنّ المشكلة المالية والاقتصادية اللبنانية كبيرة ولا تُعالج باقتطاع نسبة من معاشات موظفين مدنيين وعسكريين متقاعدين وغير متقاعدين.
كذلك، تخلل المحادثات بين الحريري والمسؤولين الاميركيين تقييم الاوضاع المالية اللبنانية، خلص الى اعتبار الاشهر الستة المقبلة مثابة إنذار لترتيب هذه الاوضاع من ضمن الاصلاحات المطلوبة التي تتيح وضع ازمة لبنان الاقتصادية والمالية على سكة المعالجة الجادة وتجنُّب كؤوس التصنيفات الائتمانية المخفوضة التي تهدّد بدفع البلد الى الإنهيار.
وأكثر من ذلك، فإنّ أحد هؤلاء الخبراء في السياسة الاميركية، كشف أن المحادثات بين الحريري والاميركيين تناولت المواضيع القديمة المعروفة على مستوى العلاقات اللبنانية – الأميركية ونظرة واشنطن الى القضايا المطروحة ماضياً وحاضراً، بحيث انّ زيارة الحريري لواشنطن كانت مثابة استكمال لزيارته السابقة لها، ولم يخفِ الاميركيون انزعاجهم من المضاعفات التي احدثتها حادثة قبرشمون الاخيرة وما رافقها وتلاها من «فلتان كلامي طائفي ومذهبي»، أزعج ايضاً الدول الفاعلة في المنطقة ايضاً، ما دفع السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد الى اصدار بيانها الشهير الأخير، والذي دعت فيه الى معالجة جدّية سياسية وقضائية فعّالة لحادثة قبرشمون، وهو بيان اجمعت الاوساط المعنية على التأكيد انه كان منسّقاً مسبقاً مع دوائر القرار في وزارة الخارجية الاميركية.
وحسب الخبراء، فإنّ الاميركيين، وفي حال عدم اجراء الحكومة اللبنانية الاصلاحات التي نصحوا بها، لن يترددوا في وضع من يتأخّر او يعرقل هذه الاصلاحات على «اللائحة السوداء» لديهم، وهذا الأمر هو «سلاح قوي جداً يستخدمه الاميركيون عادة ضد كل من يعاكسهم، وخصوصاً ضد كل من يمكن أن يقدّم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة».
ولذلك، يقول هؤلاء الخبراء ايضاً، انّ لبنان وفي ضوء زيارة الحريري الأميركية وتجميد تصنيفه الائتماني عند درجة (ـ B) لمدة 6 اشهر، تجاوز قطوع الإنهيار، ولكن الى مدة معينة. ففي حال لم تتخذ «حكومة الى العمل» اجراءات جذرية لتحقيق الاصلاح المالي والاقتصادي المطلوب خلال فترة قريبة فإن لبنان سيقع في مشكلة اكبر منه هذه المرة لن يكون هناك مزاح فيها.
وهل تجاوز لبنان والمنطقة قطوع حروب تُذّر بقرونها في ضوء التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة والجمهورية الاسلامية الايرانية وحلفائها من جهة ثانية؟ يجيب الخبراء انفسهم أنهم لم يروا حروباً من هذا النوع في الفترة المنصرمة ولا يرونها الآن، اذ لا مصلحة لأحد في هذه الحروب، والجميع في حال لا تسمح لهم الدخول فيها، فطبول الحرب تقرع ولكن لا صدى لها.