«حزب الله» بين مطالب الحلفاء المشروعة.. ومحظور التصادم الممنوع
لبنان يتحصّن بالاستقرار.. كلما طال انشغال الآخرين عنه
لعل قيمة وثائق «ويكيليكس» أنها تبين حجم التقاطعات بين إسرائيل وبعض مجموعات المعارضة المسلحة على أرض سوريا، مثلما تبين وجود تقاطعات أمنية خليجية واسرائيلية، وبين هذا وذاك، يضع العدو الإسرائيلي مجموعة أهداف يكون «حزب الله» في صلبها، سواء عبر محاولة ملاحقة الحزب أينما وجد مناصر أو منتمٍ له أو محاولة تجفيف موارده والضغط على بيئته، كما حصل في الموضوع المصرفي ـ المالي وفرض عقوبات طالت أفراداً قريبين من بيئة الحزب، أو على خط الأمن ومحاولة اختراق بنية الحزب وجمهوره وصولاً الى الدخول على خط التفجير أو محاولة فرض وقائع ومعادلات جديدة على الارض، كما حصل عند استهداف أكثر من قافلة صواريخ عند الحدود اللبنانية ـ السورية.
هذا التحدي الإسرائيلي المستمر، معطوفاً عليه تحدي مواجهة المجموعات التكفيرية الظلامية «يوجب على اللبنانيين المحافظة على ستاتيكو الاستقرار السياسي والأمني بين جميع المكونات السياسية. هذا ما عبر عنه جلياً الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في احتفال «يوم القدس» عندما رسم حدوداً واضحة بين الاعتراض المشروع على عنوان داخلي ما ومحظور التصادم الممنوع على عناوين خلافية كثيرة»، يقول قيادي بارز في «8 آذار».
واذا كان اللبنانيون قد اعتادوا أن تأتيهم التسويات السياسية «على الحامي» (الطائف والدوحة)، فإن هذا الأمر ليس ممكناً حالياً، بسبب تقاطع عدم رغبة «حزب الله» بأي تأزيم داخلي من جهة والنصيحة الدولية بعدم المس بالاستقرار من جهة ثانية، «لكي تأتي التسويات على البارد»، بحسب ديبلوماسي لبناني مخضرم.
يقول الديبلوماسي نفسه «لقد اعتقد بعض الغرب والعرب أن «الربيع العربي» سيتوج بوصول «الاخوان المسلمين» الى السلطة في أكثر من بلد عربي مثل تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والسودان، حتى أن أحد كبار كرادلة الفاتيكان لم يتردّد في مرحلة معينة في القول إن الاخوان هم الحل، قبل أن تصله النصيحة «اياكم وهذه القناعة»، واليوم لم يعد هناك من نموذج واحد. في مصر مثلاً، لا أحد يملك الجواب هل تنجح تجربة عبد الفتاح السيسي (العسكر).. وما هو البديل في حال الفشل؟».
يجاهر الديبلوماسي نفسه بطرح أسئلة أخرى: أي مجموعات ستحكم في العالم العربي، هل هم الاخوان المسلمون، الاسلام السلفي المتطرف، الليبراليون ام العسكر؟ وبقطع النظر عمن سيتسلم السلطة، هل مسموحة عودة الأنظمة الديكتاتورية، أو نذهب باتجاه الفدراليات أو تقاسم السلطة (نموذج الطائف في لبنان)».
يقول الديبلوماسي اللبناني إنه «قبل بدء الحرب على اليمن، كنا نسمع الأمراء الخليجيين الشباب يقولون إنهم قادرون على زعزعة أمن إيران، كما سمعنا في المقابل، كلاماً من الدائرة المحيطة بالملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، مفاده إذا حاولنا زعزعة أمن إيران فسيتزعزع أمن دول الخليج (برغم اقتناع عبدالله بأن إيران «رأس الأفعى» بحسب وثائق «ويكيليكس»). وفي المحصلة، بدا أن المنطق الذي غلب في مرحلة من المراحل هو ما قاله الملك عبدالله في قمة الكويت من أنه يريد المصالحة مع إيران، وأعقب ذلك قيامه بزيارة سوريا، حيث انتقل منها إلى بيروت مصطحباً الرئيس بشار الاسد، فكانت قمة قصر بعبدا، التي حضرها الرئيس سعد الحريري، وسمع الملك عبدالله يقول له ما حرفيته: يا شيخ سعد، هناك مؤامرة لقسمة الأمة بين سني وشيعي، لا نريد خلافاً سنياً شيعياً. يجب أن ننسى الماضي وأن نبني المستقبل».
يكشف الديبلوماسي المخضرم أن «الحريري، برغم ارتباكه وتردده، زار سوريا مرة أولى وثانية قبل أن يزور إيران أيضاً. لكن المؤكد أن الاميركيين حينها طلبوا من السعوديين ألا يذهبوا بعيداً في سياستهم التصالحية، وبالفعل، قاموا بتحريك قوات «درع الجزيرة» الى البحرين وتوقف مشروع التفاوض مع ايران، ووضعت الرياض شرط تنحية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فقام كل من السيستاني والخامنئي بتغطية وصول حيدر العبادي. وكان ثمة اعتقاد أن ما حصل في العراق، أي فتح الباب أمام مشاركة أوسع للسنة في السلطة وإزاحة المالكي ومحاربة داعش قد ينسحب على اليمن وسوريا ولبنان، لكن ذلك لم يحصل نهائياً».
يخلص الديبلوماسي من وراء هذه الاستعادة للقول «إن معرفة مآل لعبة الأمم يبقى أكثر أهمية حتى لا نكون في أوقات معينة ذاهبين الى التصادم معها، خصوصاً انه في اوقات كثيرة ومن حسنات اللحظة الإقليمية والدولية أن الكل منشغل عن لبنان، سواء القوى الاقليمية المؤثرة تاريخياً أو القوى الدولية القادرة على التأثير، فهل اللبنانيون يدركون أن هذا الانشغال هو لمصلحتهم، وهل يمكنهم أن يتصوّروا لو قرّر هؤلاء جميعاً اللعب بلبنان وأمنه.. ماذا كانت ستكون النتيجة في ضوء الانقسام السياسي والمذهبي الحاصل؟».
صحيح أن الولايات المتحدة تفاهمت مع إيران نووياً، ولكن الرحلة طويلة بينهما، وثمة أسئلة كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع حرد إسرائيل وأية جائزة ترضية ستقدمها لها وكيف ستتعامل مع السعودية ودول الخليج المنزعجة من التفاهم النووي؟
يدعو الديبلوماسي نفسه إلى عدم تفريط اللبنانيين باستقرارهم وأن يحاولوا تحصينه بالحد الأدنى من العناوين الجامعة وليس على طريقة دعاة الفدرالية.. في انتظار ما سترسو عليه صورة المنطقة في السنوات المقبلة.