«لبنان رهينة حلف باريس ــ الرياض»
بيطار لـ «السفير»: الاستخبارات الفرنسية تسبق الانعطافة الديبلوماسية في سوريا
بعد الهجــوم الدامــي ضــدّ أسبوعية «شارلي إيبــدو»، في الأســبوع الفائت، نشــأت تساؤلات عدّة حــول الخلفيات التي دفــعــت «الأخــوين كواشي» الى تنفــيذ جريمتهــما. وقفــزت الى الواجهة قضايا الشرق الأوسط المزمنة، من فلســطين وصــولا الى لبنان وســوريا، مــرورا بالعــراق وليبــيا وتونــس ومصــر، والسـياســات الفرنســية المنتهــجـة حيــالهــا، خصوصــا بــعد حــرب العــراق (2003) ووصول نيكولا ساركوزي الى رئاسة الجمهورية، ثم اتِّباع فرانسوا هولاند «سياسة تبعية مترددة لا أفق لها».
يرفض محللون بارزون في السياسة الفرنسية قراءة الهجمة الإرهابية في فرنسا على ضوء الصراع الديني والتفاوت الثقافي فحسب، وهو موجود حتما، لكنّه يشكّل جزءا من الصورة.
في هذا الإطار، يقول مدير الأبحاث عن الشرق الأوسط في مركز العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس (إيريس) كريم بيطار لـ «السفير» إنّ «العوامل الجيوبوليتيكية والإيديولوجية والاقتصادية متداخلة في تغذية التطرف ولا يمكن فصلها بشكل واضح».
ويستعرض بيطار السلوك الفرنسي تجاه قضايا المنطقة «وهو اتسم بالتردّد في تونس ومصر، وحاول استعادة زمام المبادرة في ليبيا بعد تشجيع نيكولا ساركوزي للرئيس الأميركي باراك أوباما على حرف قرار مجلس الأمن الدولي 1973 من حماية المدنيين الى اقتلاع النظام الليبي ما أحدث كارثة بعد 3 أعوام، إذ تحوّلت ليبيا الى دولة فاشلة. ثم انغماس فرنسا في الصراع السوري بشكل جعل عودتها أدراجها صعبة، خصوصا بعد أن أوغل الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند في الاستمرار بنهج سلفه ساركوزي، ما أوصل عدد المقاتلين الفرنسيين المشاركين في حرب سوريا الى 700 مقاتل».
هــذا الســلوك جعــل الحــدود واهيــة وضبابيــة بيــن فكــرَين: اليمــين الفرنــسي التـــاريخي (الديغولي، الكاثوليــكي المحافــظ) الرافــض قطــعا لأفكار اليمين المتطرف، وبين «الجبهة الوطنـــية» التي تقودهـــا مارين لوبن التي بدأت تحظى، منذ عهد ساركوزي الذي تبنى تشددها في قضايا الشرق الأوسط وصولا الى مقاربة قضايا الإسلام والغجر، بقبول غير مسبوق لدى قاعدته اليمينية أولا ولدى بعض المجتمع الفرنسي ثانيا».
ويبدو، بحسب بيطار، أنّ حادثة «شارلي إيبدو» ستفيد «الجبهة الوطنية» لناحية ازدياد شعبيتها، وقد بدأت تسمع أصوات في فرنسا تقول إنها تفضل انتخاب «الجبهة الوطنية» في الانتخابات الفرنسية المقبلة عوض انتخاب الاشتراكيين الذين وصلت شعبية رئيسهم فرانسوا هولاند الى أدنى نسبة يحصل عليها رئيس (12 في المئة) في الجمهورية الخامسة.
دور استخباري أكبر في سوريا
بالعودة الى منطقتنا، فإن حادثة «شارلي إيبدو» سوف تحدث صدمة أكيدة، بدأت معالمها تتظهّر في كلام محللين يقولون إن على فرنسا الاختيار بين موقفين في سوريا: إما بشار الأسد وإما المتطرفون الإسلاميون، فلم يعد بإمكان فرنسا الوقوف في الوسط. في هذا الإطار يقول بيطار: «لا أعتقد بأنّه يمكن لفرنسا إعادة تموضعها بسرعة والتقرّب مباشرة من النظام السوري بقيادة بشار الأسد». يضيف: «التقارب مع هذا النظام حصل من قبل الأجهزة الاستخباراتية التي سبقت الديبلوماسيين بأشواط في التنسيق مع النظام، ولمّا تزل لغاية اليوم بسبب هاجــس المقاتلين الأجانب؛ لكن أي تبدّل واقعي في السياسة الخارجية الفرنسية يحتاج الى وقت طويل، لأنّ فرنسا ذهبت بعيدا في مواقفــها تجــاه سوريا. فحتّى لو بدأ استشــعار ذهــني فرنسي لما حدث، فإن التغيــير الواقــعي بعــيد».
ويقول بيطار: «تتطلّب الديبلوماسية بطبيعتها وقتا طويلا للانعطاف، وستشهد الأشهر المقبلة دورا أكثر زخما للأجهزة الأمنية الفرنسيّة سيفوق بأهميته دور الديبلوماسيين».
تلعب الجزائر دورا أساسيا في الدعم الاستخباراتي «لأنّ لها خبرتها» في تسعينيات القرن الفائت حين تأسست على أراضيها نواة ما يعرف اليوم بـ «القاعدة في المغرب» والأجهزة الجزائرية تعرف المنضوين فيها تماما.
وبالتالي فإن الاجتماعات التي ستتوالى لمحاربة الإرهاب، وآخرها اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين في باريس أمس، ثم وضع بند الإرهاب في أولوية اجتماع المجلس الأوروبي في 18 الجاري، أمور لن تحدث تغييرا جذريا في السياسة الفرنسية.
يقــول بيــطار: «هــــذه الاجتــماعــات ســتــؤدي الى إعــادة التفكــير بالحــرب الشــاملة ضــدّ الإرهــاب الــتي انطلــقــت بعــد هجــمات 11 أيلــول، وبعــد أن كانت بؤرة الإرهاب في أفغانســتان انتقلت اليوم لتسود أكثر من 12 بلدا».
يضيف: «لم يفهم الغرب لغاية اليوم أنه لا يمكن مواجهة الإرهاب بالحلول العسكرية فحسب، بل عبر إيلاء دور أكبر لأجهزة الاستخبارات وللشرطة وللحرب العقائدية وللحلول السياسية، وما دامت لا توجد حلول في العراق وسوريا، ستكون ردود فعل موجودة».
في الخلاصة، إنّ الانعطافة ستكون بطيئة في سوريا، لكن «العنتريات» الفرنسية ستتراجع حتماً، «إذ لن تكون باريس رأس حربة في المواجهة مع نظام الأسد»، بحسب بيطار.
بالنسبة الى لبنان، فإن المصالح الاقتصادية التي تربط باريس والسعودية، خصوصا في الأعوام الأخيرة، باتت عاملا مؤثرا جدّا فيه نظرا الى التنسيق الوثيق بين البلدين في ما يخصّه، خصوصا في ملفّ تسليح الجيش وملفّ رئاسة الجمهوريّة اللبنانية.
لكنّ اللافت، بحسب بيطار، أنّ لبنان دخل، عبر بعض أحزابه المسيحية اليمينية المتواجدة في باريس، على خطّ الصراع الداخلي الفرنسي الذي ستؤثر نتائجه مع مرور الزمن في السياسة الخارجية، وذلك من خلال الدعم الذي تقدمه هذه الأحزاب بأشكال مختلفة لزعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن التي ترتبط بدورها بعلاقات جيدة، ولو من بعيد، مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد ومع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، علما بأنّ أحد المصارف الروسية موّل أخيرا قرضا لـ «الجبهة الوطنية»، بعد أن رفضت ذلك المصارف الفرنسيّة!