لم نكن يوماً نتوقّع، نحن الناس العاديين، أن نبلغ هذا القعر، وأن يأكلنا هذا القهر!
يا مسؤولين ويا سياسيين ممسكين بأعناق الناس وأرزاقهم، ماذا تفعلون بنا، ماذا تفعلون بلبنان؟
ماذا فعلتم بهذا الجبل الذي باركه الله بيمينه، والذي ينحني التاريخ أمام جلالِه، وأمام نقاءِ شمسه وثلوجِه وأريجِ بخورِه؟
كيف جعلتم منه مرتعاً للفساد والفاسدين، وهو لطالما كان منارة الشرق ومعبد الأطهار والنسّاك؟
كيف تتاجرون بأبنائه وهم سلالة الشهداء والقديسين؟
***
ألا تؤرقكم في نومكم صورةُ لبنان النقاء والطهارة، لبنان الذي يتغنّى الشعراء ببحره وجبله وسهله، ويحلم أهل الشرق والغرب بلحظة أريج من قمم أرزه إلى منبسطات زهر الليمون على فقش الموج؟
ألا تفكرون بالأطفال ومستقبلهم، أم أنتم مرتاحون لأن أطفالكم يتدبَّرون مستقبلهم في بلاد الغربة، وعلى حساب الناس الطيِّبين البسطاء وأولادهم؟
حتى المغتربون الذين اعتادوا قضاء عطلة الأعياد في ربوع الوطن فضّل كثير منهم هذا العام أن يستدعي الأهل ويعيِّد معهم في بلاد الغربة!
وحتى الأشقاء العرب والسياح الأجانب قرفوا ممّا يسمعون وما يشاهدون كل يوم، عبر الفضائيات، من فضائح الفساد التي يتبادلها السياسيون، بعضهم بحقّ بعض… والتي تبدو في الإجمال صحيحة، هنا وهناك!
كيف للأبناء المغتربين والأشقاء العرب والسياح الأجانب أن يستعيدوا لبنان الذي أحبّوه، وأن يهرعوا إليه بلهفتهم المعهودة، عندما تنقل لهم الفضائيات مشاهد جبال النفايات المشرورة من الهضاب الخضر إلى شاطئ البحر؟
هل سمعتم كم من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ دخلوا المستشفيات في خلال عطلة الأعياد، لا لشيء إلا لأنهم ذهبوا يتنشّقون نسيم لبنان العليل، فإذا به مُعْتلٌّ بالنفايات؟
كيف لا يقرف الناس منكم، يا حضرات القيِّمين، والرائحة طالعة من بعضكم أكثر من النفايات؟
كيف تريدونهم أن يصدِّقوا ألاعيبكم، وأنتم تبرمون الصفقات بالتراضي والتراخي من الكهرباء وسائر البنى التحتية… إلى المحاسيب البالعين كل شيء في الدولة… إلى قصص النفايات بكل وقاحة الفضيحة… فضيحة التلزيم والتعتيم؟
كيف لنا أن نأمل في بقعة ضوء ستُفتح يوماً في النفق المسدود، إذا كانت طبقة الزعماء هي التي تمنع الإنتخابات وتدَوْزِن قوانين الإنتخابات على قياساتها، وتحجب حقوق المرشحين ذوي الأخلاق والجدارة من الوصول إلى المجلس النيابي.
كيف نأمل منكم في إنماء سيأتي يوماً إذا كنتم قد قتلتم الإنتخابات البلدية في مهدها، لئلا تنتشر منها عدوى الممارسة الديمقراطية فتقتلعكم من أساسكم؟
***
عليكم أن تخافوا الله، يا أولي الألباب.
عليكم أن تعيدوا لبنان إلى ما أراده الله له.
إنه بيت صلاة… وقد أردتموه مغارة الفساد والهدر.
أعيدوا لبنان إلى لبنان.
وأعيدوا البريق إلى عيون أطفاله، والأمل إلى المستقبل الذي سرقتموه… بعدما سرقتم الوطن كلَّه وأهلَه وأحلامَهم!
أعيدوا لبنان إلى لبنان.
وإلاّ… فالتاريخُ لن يرحم.
ولعنةُ التاريخ ستلحق بمن مدّ يدّه على مال شعب طيِّب بأسره.