IMLebanon

في أنّ لبنـان السـيّد حقيقةٌ عـربيّـة

 

 

تعجز الكلمات عن وصف حالات الفشل والانهيار والفوضى والانسحاق التي يرزح تحتها لبنان، لكن الأصعب إيجاد كلمات تصفُ إجرام المنظومةِ المكتفيةِ بالتلذّذ بمتابعة ما يجري، مع الكثير الكثير من السعي لتوظيفه لمصلحتها والاستفادة منه. لا حدود لانحطاط ووقاحة وتوحّش المسؤولين في هذا البلد الذي يعيش أبناؤه متخلّفين عن بقية دول العالم بقرنين من الزمان على الأقل، حيث لا خدمات، ولا كهرباء، ولا أدوية، ولا ودائع وأموالاً، ولا أملاً.. ولا سبيل للهروب من المركب الآخذة بالغرق!

 

تزدحم مشاهد المسلسل السوداوي لجرائم وفضائح منظومة الميليشيا – مافيا التي تخطف البلد، وتدمّر علاقاته بالعالم وبمجاله الحيوي العربي، وتعكس خفّة ودونيّة ولصوصيّة وفساداً وتنكّراً لكل قيم الدولة واعتبارات المصالح الوطنية. هنا البلد يُدار البلد بأشباح تتلاعب بكل شيء، بحياة الناس ومصالحهم، بالدولة والمؤسسات والقضاء، بالحياة المدنية والنقابات والقطاعات، بسعر الصرف وأسعار السلع، فالليرة تواصل الانهيار، والحدّ الأدنى للأجور بات يساوي نحو 25 دولاراً فقط، والأدوية صارت خارج متناول غالبية الشعب، كل أكذوبة الدعم ذهبت لجيوب المافيات والكارتيلات والمهرّبين.. فوق ذلك أزمة ديبلوماسية خطرة، بل الأخطر في تاريخ لبنان.. كل ذلك والحكومة غائبة عن السمع، لا تجتمع!

 

لم تكن ثرثرة القرداحي أول السقطات، قبلهُ نال الخليج من لبنان أذى كثيراً من تصريحات وممارسات وأكاذيب وتهريبِ موبقات. هو وأمثاله أدواتٌ في نهج لمنظومةٍ متكاملةٍ تعتمدُ العبثيّة والتضليل واللعب على الشعارات والعصبيات لخدمة أغراض خبيثة، وأجندات مشبوهة، والأخطر أن كل ذلك يترافق مع سعي حثيث لتغيير هوية لبنان (على غرار ما يحصل في المحيط) تغييراً يناقض ما تأسّس عليه، واشتهر به، ويناقض دوره ومصالحه وعروبته.

 

للأزمة وجوه عدّة، حيث الميليشيا التي تختطف الدولة وترعى الفساد، وحيث طبقة سياسية تحترفُ الكذب ولا تشبع من الانتهاب، في مقابل استقلاليين، مؤمنين بلبنان السيّد، الحضاري، ودستوره وميثاقه الوطني، كوطن للحياة، وكفكرة وقضية

 

الأزمة كبيرة، ولا تقاس بحجم الصادرات ولا بأرقام التحويلات المالية، على أهميتها، بل في بُعدها الوجودي والوطني والدستوري والعربي والأخلاقي وأكثر، هي اعتداء على الدستور اللبناني الذي نصّ على أن لبنان «وطنٌ نهائيّ لجميع أبنائه، عربيّ الهويّة والانتماء»، حيث لا يمكن التسليم بتحوّل لبنان إلى جزء من طموحات إمبراطورية إقليمية، أو السكوت عن جعله رهينة هيمنة السلاح والمليشيات والشعبويات، وساحة للمسّ بالدول العربية، وخصوصاً دول الخليج.

 

لبنان حقيقة عربية

 

هكذا، وأمام التدمير المنهجي الذي تتعرض له الهويّة اللبنانيّة، وخصوصاً انتماؤها إلى مجالها الحيوي والحضاري العربي، وأمام عدم التكافؤ في المعركة مع السلاح والقتل والاغتيال، والمنظومة المتغوّلة، وأذرعها الفاسدة، ولأن لا حياد في علاقة لبنان مع العالم العربي، تلاقت، أول من أمس، نخبٌ مدنيّة، وعدد من قادة الرأي والكتّاب والمفكرون في بيت مري، وأصدوا إعلان «لبنان السيّد حقيقة عربية»، نداءً للداخل والخارج بأن اللبنانيين متمسكون في دفاعهم عن عروبة بلدهم. بل، فوق ذلك، هم يعتبرون موقفهم جزءاً أساسياً من معركة بقاء بلاد الأرز، وأنهم ماضون في هذه المواجهة حتى الرّمق الأخير على الرّغم من الخلل الكبير في موازين القوى.

 

الإعلان – الوثيقة إذ حدد الخلل القائم بتغوّل منظومة الفساد والمليشيا المسلحة على الدولة والشعب، طلب دعم ومؤازرة العرب في هذا الصّراع المصيري الحاصل الآن، لأن نتائجه «لا تقرّر مصير لبنان فحسب، بل مصير العالم العربي بأسره، ولأن المعركة ليست مجرّد دفاع عن عروبة لبنان بل دفاع عن الهويّة العربيّة بأسرها»، هنا تكون معركة الدفاع عن لبنان، ليس كنظام وسلطة، بل «كوطنٍ للحياة، وكفكرة وقضيّة، وهي مسألة لا تقاس بحسابات الربح والخسارة».

 

الإعلان – الوثيقة رسالة محددة من أهل الدولة، إلى عنوان محدد، بعناوين محددة. وهو ليس نهاية المطاف في المواجهة، هو يؤكّد المؤكد، ويعيد الإضاءة على أن لا أزمة من جانب أي دولة عربية مع لبنان، بل الأزمة، كما وصف وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، «في لبنان». هنا، يتبدى أن للأزمة وجوها داخلية عدّة، حيث المليشيا التي تختطف الدولة، وترعى الفساد، وتحمي الجريمة المنظمة، وترهن الشعب لمصالح وأجندات خارجية مشبوهة، وحيث أيضاً طبقة سياسية تحترفُ الكذب وبيع الأوهام والأضاليل ولا تشبع من الانتهاب والسرقة.. لكن في المقابل، هناك استقلاليون، مؤمنون بلبنان السيّد، الحضاري، ودستوره وميثاقه الوطني، وعروبته ومجاله الحضاري والحيوي، وهم يعتبرون أن معركتهم قضية انتماء ومصير، وستبقى كذلك على الدوام.