IMLebanon

«لبنان إن حكى»  

نستطيع أن نتساءل وكلٌّ منّا على طريقته كلّما عاد عيدُ الإستقلال  أيّ إستقلال، مئات الصّور والتعليقات تغزو مواقع التواصل الإجتماعي كلّما عاد الثاني والعشرين من تشرين الثاني، يجد استقلال لبنان آلاف اللبنانيّين ينتقدون كلمة استقلال بحدّ ذاتها أو يسخرون من الإستقلال المتوهّم، أو يكذّبونَ مقولةَ انّنا وطنٌ مستقلّ، ولكن مهلاً مواطنيّ اللبنانيّين، منذ متى كان لبناننا مستقلاً يعيش منعَّماً بعرف الإستقلال؟! تعالوا نستعيدُ بضعاً من قرونٍ شكلّت جزءاً من حقبات آلاف من سنين تاريخ وطننا لبنان، وبعد هذه النظرة استعيدوا ما شئتم من التشاؤم والتذمّر والسّخرية و»النقّ» الدائم والمعتاد في هذه المناسبة، لأنّنا شعب نقّاق!!

منذ كان لبنان خضع هذا الوطن الصغير لموجاتٍ من السيطرة الخارجية لشعوب ودول أتت من كل أنحاء العالم، أوّل احتلال دخل لبنان جاء خلال مطاردة المصريين للهكسوس في عهد الدولة الحديثة الفرعونية في مصر، ضم تحتمس الثالث للسيادة المصرية الساحل الشرقي للبحر المتوسط بالكامل، بالإضافة إلى المدن الفينيقية، مؤسسًا بذلك أول إمبراطورية في التاريخ، وبنهاية القرن الرابع عشر ما قبل الميلاد، ضعفت الدولة الحديثة مما أعطى الفينيقيّين الفرصة ليستقلوا عنهم في بداية القرن 12 ق.م. بقي استقلال الفينيقيّين عقود ثلاثة تلت، فازدهرت المنطقة وفرضت وجودها التجاري على حوض المتوسط، وفي هذه الفترة، استعمل الفينيقيون أحرفاً أبجديّة لتسهيل تجارتهم ومخاطبتهم للشعوب الأخرى. بنهاية القرن الثامن ق.م ضعف الأشوريون مما سمح للبابليين بالقضاء عليهم وإنشاء دولة قوية في بلاد ما بين النهرين. وخلال الحكم البابلي، قاومت مدينة صور لمدة 13 عاماً حصاراً قوياً من قِبل نبوخذ نصر البابلي قبل أن يفتحها ويأسر أهلها، فأنهى الفرس الأخمينيون حكم البابليين في عهد قورش مما جعل الفينيقيين يخضعون لهم، عند انتصارات الملك الإغريقي الاسكندر المقدوني على الفرس في عام 333 ق.م. وفي القرن الثالث ما قبل الميلاد، وقعت حادثة سيل العرم وانهيار سد مأرب وضياع مملكة سبأ المعروفة في التاريخ، وبسبب هذه الكارثة، هاجرت قبيلة عاملة بن سبأ بن يشجب بن قحطان من اليمن إلى أطراف الشام فيما عرف بجبل عامل. وهي منطقة الهضاب في جنوب لبنان المشرفة على البحر المتوسط وفلسطين وعرف سكانها باسم أهل جبل عامل أو بالعامليين، ومن هؤلاء يخرج علينا اليوم من يدّعي أنّ لبنان لهم وأنّهم حكموه وأن حكمهم بلغ حدّاً يعيّنوا للموارنة بطركهم!!

في سنة 64 ق.م أنهى القائد بومبي حكم السلوقيين وضم المدن الفينيقية لحكم الرومان. ونعمت المدن الفينيقية بازدهار اقتصادي وفكري وثقافي. كما مَنح الرومانيون أهل مدن صيدا وصور وبيبلوس المواطنية الرومانية. كما بنى الرومان الصروح والهياكل مثل معبد بعلبك ودار الحقوق والحمامات العامة في بيروت والهياكل في صور. وازدهرت التجارة حيث صدَّر الفينيقيون خشب شجر الأرز والعطور والمجوهرات والنبيذ وعبَّدوا الطرق.

سنة 750م استولى العباسيون على الحكم من الأمويين وضموا لبنان لحكمهم فرض العباسيون ضرائب قاسية على لبنان مما دفع اللبنانيين للقيام بالعديد من الانتفاضات خلال الحملات الصليبية (1096م- 1291م)، أبدى الصليبيون اهتماماً بمدن ساحل لبنان وسيطروا عليها تدريجياً. فبعد تأسيس مملكة بيت المقدس في مدينة القدس توجهوا لطرابلس واستولوا عليها في عام 1109م. ثم على بيروت وصيدا في عام 1110 م. وأخيراً صور عام 1124م. خلَّف الصليبيون وراءهم العديد من القِلاع في لبنان مثل قلعة طرابلس وقلعة شقيف وقلعة سان جيل.

تمحور القرن الثالث عشر الميلادي بالصراعات بين الصليبيين من الشمال (أوروبا) والمغول من الشرق (أي هضاب آسيا) والمماليك من الجنوب (أي من مصر) والتي انتهت بغلبة المماليك. في عام 1516 سيطرت جيوش السلطان سليم الأول على لبنان وعلى المناطق الجبلية من سوريا وفلسطين، وعهد بإدارة هذه المناطق لفخر الدين الأول، عام 1590 اعتلى فخر الدين الثاني نجل قرقماز السلطة، وكان سياسياً ماهراً حتى وصف بأنه تلميذ لميكافيلي، حيث كان يتقنع بأقنعة الدرزية والمسيحية بحسب حاجته، فقام بدفع الجزية للسلطان وتقاسم معه الغنائم الحربية، فعينه السلطان والياً على جبل لبنان والمناطق الساحلية التابعة له، وكذلك قسم كبير من سوريا وفلسطين»…

هذا عرضٌ يسير عن كلّ ما مرّ من احتلالات على لبنان، ورحلت كلّها وبقي لبنان الذي لم يوفّر فترة زمنيّة في زمن هذه الاحتلالات ليطوّر نفسه ووجوده وقدراته، يا ليتنا نأتي  ربع اللبنانيّين الذين عايشوا كل هذه الاحتلالات، حان الوقت لنرفع رؤوسنا ولنكفّ عن «النقّ» وأن ننهض بإيمان كبير بوطننا متيقنين أنّهم كلّهم ذاهبون ولبنان وحده الباقي…

في هذا اليوم العظيم أردّد مع التي سيختصر صوتها لبنان للألفيّة الثالثة والرابعة، أردّد مع السيدة فيروز من قصيدة لبنان لسعيد عقل: «لي صَخْرةٌ عُلّقَتْ بالنَّجْمِ أَسْكُنُها/ طارَتْ بها الكُتْبُ قالَتْ تلكَ لبنانُ»…