IMLebanon

لبنان امام مفترق طرق خطير

إنطلاقاً من أن لبنان ليس بجزيرة معزولة عن ما يحيط بها من أحداث، والقوى السياسية فيه لا تلتزم بشعارات الحرية والسيادة والإستقلال التي ترفعها منذ سنوات طويلة، لا يمكن فهم حقيقة ما يجري فيه من تطورات، في الأيام الأخيرة، من دون مراقبة المواقف على الصعيدين الدولي والإقليمي، حيث كان واضحاً أن لكل من اللاعبين الخارجيين الفاعلين رؤيته الخاصة، التي تتفق على نقطة جوهرية واحدة، هي الحفاظ على الإستقرار الداخلي، الأمر الذي تأكد من خلال البيان الصادر عن جلسة الحوار، التي عقدت في عين التينة، بين حزب الله وتيار المستقبل، لكن هذا لا يعني أن البلاد ليست على مفترق طرق خطير جداً، لم تتضح معالمه بعد، نظراً إلى حالة الضياع التي يشعر بها الكثيرون، إلا أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة في تبيان الخيط الأبيض من الأسود.

من حيث المبدأ، كانت كل المعطيات توحي بأن شهر أيلول المقبل سيكون مفصلياً على الصعيد اللبناني، لا سيما بعد توقيع الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، بالتزامن مع تأزيم الأوضاع الداخلية، بسبب الخلاف بين كل من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، تحت عنوان: إستعادة الحقوق المسيحية والحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة، إلا أن ما حصل في عطلة نهاية الاسبوع المنصرم بدل من موازين القوى، خصوصاً أن الجميع سعى إلى ركوب موجة الغضب الشعبي من أجل توجيه رسائل سياسية من خلاله إلى باقي الشركاء في الوطن، ما ظهر بشكل جلي من خلال فضيحة عروض مناقصات النفايات الفاقعة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، إلى أن إنفجار الأوضاع الإجتماعية كان متوقعاً بأي لحظة، لا سيما مع تفاقم الأمور في الفترة الأخيرة على نحو غير مسبوق، إلا أنها تعتبر أن أحداً من الأفرقاء المحليين لم يكن ينتظر أن يكون بهذا الشكل، حيث الرهان الدائم كان على قدرة النظام الطائفي على إمتصاص أي تحرك شعبي من خارج قيوده الصلبة، وتلفت إلى أن سفارات الدول الفاعلة على الصعيد المحلي كانت بعيدة عن هذه المعطيات أيضاً، خصوصاً أن أغلب التقارير الدبلوماسية، التي كانت ترسلها إلى المسؤولين عنها، كانت تتحدث عن أزمة سياسية مفتوحة تبدأ مع بداية الشهر المقبل، أساسها الخلاف بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على ملف التعيينات الأمنية.

وتوضح هذه المصادر أن دوائر صنع القرار، في تلك الدولة، كانت تنتظر الفرصة المناسبة من أجل التقدم بما لديها من مخارج خاصة بالأوضاع اللبنانية، وتشير إلى أن بعضها كان يجري طوال الأشهر الأخيرة محادثات بعيدة عن الأضواء، في سبيل إنضاج بعض الحلول الممكنة، عبر عمليات إستطلاع الرأي، التي تكثفت بشكل لافت بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني، من دون أن تنجح بالوصول إلى أي نتيجة، نظراً إلى أن القوتين الأساسيتين، الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا تزالان تعتبران أن الملف اللبناني ليس أولوية في الوقت الراهن، وبالتالي من الممكن أن ينتظر بعض الوقت، لحين تمرير الإتفاق في الدوائر الأميركية والإيرانية البرلمانية، ومن ثم الإنطلاق لبحث ما يمكن معالجته سريعاً من ملفات في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حين تدعو إلى العودة إلى رصد المواقف الإقليمية والدولية بشكل دقيق، تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أنه كان من الواضح أن البلدان الخليجية، لا سيما المملكة العربية السعودية التي تقود هذه الدولة، كان لها هم وحيد، إلى جانب تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان، يتمثل بالحفاظ على الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، نظراً إلى أن إسقاطها يعني الدخول في مسار الفوضى الذي يقود إلى المؤتمر التأسيسي، ما يعني خسارتها أبرز أوراق القوة التي تمتلكها، والمتمثلة باتفاق الطائف، وتعتبر أن هذا الأمر تمثل بشكل دقيق من خلال مواقف كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.

بالتزامن، كانت الزيارة التي قام بها السفير الأميركي ديفيد هيل إلى السراي الحكومي لافتة، لا سيما من خلال المواقف التي أطلقها، والتي تم التأكيد عليها من خلال كلام المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، الذي عبر عن قلقه العميق إزاء أحداث العنف التي وقعت في لبنان، معرباً عن دعم بلاده لجهود رئيس الحكومة الرامية إلى تحقيق توافق سياسي فى البلاد، إلا أن الأهم حديث كيربي عن إحباط المجتمع اللبناني من الشلل السياسي، المترافق مع تأكيد هيل على حق اللبنانيين في مجلس نيابي يتغلب على انقساماته وينتخب رئيساً للجمهورية.

إلى جانب ذلك، كان الموقف الذي عبّرت عنه وزارة الخارجية الروسية، التي شددت على قناعتها بأنه لا يوجد حل بديل للمشاكل والقضايا الملحة في الأجندة اللبنانية سوى الحوار الواسع بين القوى السياسية، مؤكدة أهمية الحفاظ على الاستقرار في البلاد ومنع تعميق الخلافات الاجتماعية والسياسية، في ظل غياب وفاق وطني بشأن مرشح لمنصب رئيس البلاد، المتماهي مع كلام وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني توبياس إلوود، الذي أكد أن بلاده تساند جهود سلام الرامية لتحقيق الإجماع السياسي كي يتمكن مجلس الوزراء من أداء مهامه بفعالية».

وفي وقت لا يزال التيار الوطني الحر على موقفه من التطورات على الساحة اللبنانية، بالتضامن مع حزب الله الذي أكد أمينه العام في خطابه بذكرى التحرير رفضه عزله أو كسره، تجزم المصادر نفسها على أن بقاء الحكومة من الخطوط الحمراء، التي لا يمكن تجاوزها نظراً إلى الخوف من الفراغ أو الفوضى، وتشير إلى أن الأوضاع، التي تصر على وصفها بالخطيرة، لم تتضح معالمها بشكل جيد بعد.