معادلة الشهور الثلاثة بين حوار لا يُنتج استقراراً وحركة اعتراضية لا تصل إلى فوضى كاملة
لبنان أمام خريف حار بانتظار التسوية الصعبة
«من غير الواضح ما ستحمله التسوية من تغيير في تركيبة السلطة المقبلة… ومخاوف من أن يدفع المكوّن المسيحي الثمن»
بدا واضحاً لدى فريقي الصراع السياسي، على ضفتي قوى 8 و14 آذار، أن البلاد دخلت في مسارين، أولهما: طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وثانيهما: الحركة الاعتراضية في الشارع التي تُعبّر عنها هيئات المجتمع المدني على تنوّع شعاراتها وطروحاتها.
على أن القراءة في مآل هذين المسارين تختلف بين فريق وآخر، وحتى ضمن الفريق الواحد، وإن كان لا يزال من المبكر التكهن بالنتائج التي يمكن أن يفضيا إليها.
في الاستنتاجات أن تحولاً طرأ على المشهد اللبناني بعد وصول المؤسسات الدستورية إلى أفق مسدود. شغور في سدّة الرئاسة وشلل في مجلس النواب وتعطيل في مجلس الوزراء، وبعد حالتي الاهتراء والعجز في أداء الطبقة السياسية الحاكمة واستشراء المحاصصات والصفقات وسط تفاقم المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ما أشعل تحركاً شعبياً كانت أزمة النفايات شرارته الأولى.
في معطيات متابعين للتحرّك عن قرب أنه لم ينطلق ليخبو بعد حين، بل ليستمر ويتصاعد تدريجياً بحيث يتحوّل أداة ضغط على القوى السياسية لإحداث اختراق في جدار الأزمة السياسية يؤول إلى رسم خريطة طريق لإعادة تركيب السلطة في لبنان.
وفي المعطيات أيضاً أن مبادرة برّي لطاولة الحوار لم تأت من فراغ، بل هي وليدة حركة استطلاعية إقليمية للتحوّلات في المنطقة وعلى الساحة اللبنانية، هدفها احتواء التحرّك لشراء الوقت بانتظار التسويات الإقليمية، ولا سيما التسوية في سوريا الأكثر تأثيراً على مستقبل العملية السياسية فيه.
تلك الاستنتاجات والمعطيات تدفع بقيادي في قوى الرابع عشر من آذار إلى اعتبار أن المعادلة القائمة تتلخص بـ «طاولة حوار» لن تُنتج استقراراً كاملاً، وحركة اعتراضية لن تذهب بالبلاد إلى فوضى كاملة، وهي معادلة تؤشر إلى أن لبنان دخل في المخاض لإنتاج تسوية ما، لكنها لا تزال في بدايتها.
وإذا كانت السيناريوهات لما ينتظر لبنان في الأشهر الثلاثة المقبلة تتعدد فإنها في غالبيتها تُجمع على أن الخريف سيكون حاراً جرّاء معركة «ليّ أذرع» ستضع البلاد على حافة الهاوية من دون أن تسقطه بحيث تُجبِر معظم الأطراف على القبول بالتسوية المرتجاة.
ووفق معطيات دبلوماسية فإن الكباش القائم يتمثل برؤيتين تربط الأولى مصير حل الأزمة اللبنانية بالتسويات الإقليمية، ويُعبّر عنها بشكل أساسي المحور الذي تقوده إيران والذي يعتبر أن لبنان قد يُشكّل مكان التعويض السياسي في حال لم تأتِ التسويات الإقليمية لتضمن مصالح هذا المحور. فيما تسعى الرؤية الثانية إلى فك الربط القائم بين أزمة لبنان والمنطقة للوصول إلى تسوية بعيداً عن المقايضات الإقليمية، بما يُقلل من فرص جعل لبنان «جائزة ترضية» للحل في سوريا.
الرؤيتان ستشهدان، برأي أوساط دبلوماسية، صداماً حتمياً، إذ أن القوى المتضررة لن تستسلم بسهولة لمحاولة انتزاع ورقة استثمار لبنان من يد «المحور الإيراني» في حسابات الربح والخسارة في ظل المواجهة الإقليمية المفتوحة من العراق إلى اليمن والبحرين مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، ولن يُسلّم بالتالي «حزب الله» لأي محاولة قد تحجّم دوره وتفقده «مصادر فائض القوّة» بما يُعيد الاعتبار إلى الآليات الدستورية والتوازنات السياسية.
ويتخوّف مطلعون على مجريات الأحداث من أن يؤدي فرض التسوية داخلياً إلى اضطرابات أمنية بحيث يتم وضع الجيش اللبناني في مواجهة قوى معترضة على غرار ما يتم راهناً من وضع قوى الأمن الداخلي في مواجهة الحركة الاعتراضية الشعبية.
أما الرؤية الثانية فتنطلق من توافق دولي، يجمع واشنطن وموسكو، على أهمية الضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية حفاظاً على ما يشكله لبنان من أهمية، ومنعاً من حصول انهيارات اقتصادية ومالية قد يصعب معها انتشاله من أزماته ومن الفوضى التي قد يسقط بها.
وعلى الرغم من الكلام الذي بدأ يتسرّب عن إشارات دولية وإقليمية نحو إمكانية إنتاج تسوية في لبنان في الأشهر المقبلة، إلا أن احتمالات تلك الخطوة تبقى، في رأي أكثر من جهة، مرتبطة بما سيؤول إليه تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني وموقف الكونغرس الأميركي منه والتداعيات الناجمة عن التحولات الكبرى التي يشهدها الملفان اليمني والعراقي، إضافة إلى الملف السوري.
ولعل الأهم أن معالم «التسوية الآتية» القريبة – البعيدة غير واضحة لجهة ما إذا كانت ستحمل تغييراً في طبيعة تركيبة السلطة اللبنانية والتوازنات داخلها بما يفرض تعديلات على الدستور المرتكز على «اتفاق الطائف»، والمدى الذي يُمكن أن يصل إليه هذا التغيير وسط مخاوف من أن تؤدي موازين القوى الحالية إلى أن يدفع المكوّن المسيحي الأضعف في التركيبة الراهنة ثمن عدم قراءة قياداته السياسية لمخاطر المرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة وانعكاسات ذلك عليه في وقت لا يبدو أن ثمة غطاءً دولياً متوفراً لحماية مكتسبات هذا المكوّن الذي كان في أساس نشوء لبنان.