ليس من شك في ان لبنان، بحدود او بأخرى، هو إحدى ساحات المواجهة العربية – الايرانية وتحديداً الخليجية منها – على خلفية ما تراكم من مواقف وسلوكيات ايرانية لجهة التدخل في صلب الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والعمل على ولادة «الهلال الشيعي» و»تصدير الثورة»، ومدَّ النفوذ الايراني الى البحر المتوسط عبر سوريا ولبنان، بغطاء لافت وهو دعم المقاومات ضد «إسرائيل»..
حتى الآن، المواجهة على أرض لبنان سياسية – اعلامية بامتياز، والافرقاء كافة، ملتزمون هذا المبدأ، على الرغم من ارتفاع وتيرة المجابهات المتتالية والمتبادلة بين الرياض وطهران، والتي أخذت مع المواقف الأخيرة لولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، التي خرجت، بحدود او بأخرى، عن النهج والسلوكيات التي كانت سائدة حيث أضحت السياسة الخارجية للمملكة «تميل نحو المواجهة استجابة لتغير الظروف والمعطيات، من دون ان يعني ذلك ان الساحة اللبنانية – التي تعيش أزمة سياسية – اقتصادية – اجتماعية بالغة التعقيد – تتجه نحو الخيارات الأخرى، غير السياسية وغير الاعلامية، وقد أقفلت طهران الأبواب في وجه الحوار نهائياً..»
في قناعة العديد من المراقبين والمتابعين عن كثب، ان ما أطلقه الامير محمد بن سلمان جرس انذار، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ورسالة في العديد من الاتجاهات، وهو كان صريحاً وواضحاً على نحو غير مسبوق.. والكرة في ملعب ايران وحلفائها..
يولي العديد من الدول، صاحبة القرار والنفوذ والقدرات أهمية مميزة لثبات الأمن والاستقرار في لبنان.. ولا يتردد قادة الأجهزة العسكرية والامنية، من اطلاق التحذيرات المتتالية من مخاطر استمرار الدوران في الحلقة المفرغة، وهم يرون ان «ما يحصل (في الواقع السيىء الذي يعيشه لبنان) يستدعي الوقوف ملياً للبحث في سبل الخروج من الحلقة المفرغة، لأن الأمور لن تستقيم اذا ما استمرينا في اقناع أنفسنا بأن الرثاثة، التي آل اليها الوضع ستكون من عاديات الأيام المقبلة.. على ما يقول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لافتاً الى «ان لبنان لايزال في مربع المراوحة منذ اتفاق الطائف، وبنوده التي تحولت دستوراً، كثير منها ومما اتفق عليه في اطار دعم بناء الدولة لم ينفذ..» وقد كان رئيس مجلس النواب نبيه بري واضحا باعلانه قبل يومين ان «ما بعد 15 ايار الجاري لن يكون كما قبله وصلاحية المبادرة الأخيرة التي كان أطلقها (لجهة قيام مجلس نيابي خارج القيد الطائفي على النسبية الكاملة مع المناصفة، مع انشاء مجلس للشيوخ وفق التمثيل الطائفي والمذهبي ستنتهي بعد 15 ايار..»
وعلى الرغم من ان الرئيس نبيه بري يصارح زائريه – هذه الأيام – بأنه قام بما عليه ان يقوم به، وهو رمى كرة مسؤولية انتاج قانون جديد للانتخابات في مرمى الحكومة، التي ينتظر ان تدعو «اللجنة الوزارية» المكلفة البحث في هذا القانون الى استئناف جلساتها، فإن الأجواء عموماً لا توحي بحل قريب.. و»لبنان – باعتراف الجميع – أمام مفترق خطير وتحولات بالغة..» وهناك خشية حقيقية من ان تتكرر مشاهد سابقة وأن يكون لبنان ضحية حسابات ومصالح خارجية و»مافياوية» داخلية..؟! وقد ارتفع صوت البعض محذراً من «خيارات انقسامية عميقة ودفينة بين اللبنانيين».
حتى اللحظة يتمسك الافرقاء السياسيون المؤثرون، في غالبيتهم الساحقة، بابقاء لبنان بمنأى عن تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي، وتحديداً في سوريا، وقد حققت وحدات الجيش اللبناني نجاحات باهرة على طول الحدود البرية مع سوريا وأمسكت بغالبية المعابر.. لكن السؤال يبقى الى أي مدى بلغت القوى السياسية اللبنانية من النضج السياسي والوطني والاجتماعي الكافي، والاستقلالية المطلوبة لاصلاح الوضع السياسي ليتحول لبنان من «كونفدرالية» طوائف ومذاهب مضمرة، الى دولة المواطنة الحقة، التي وحدها توفر الأمن والاستقرار والسلام والتماسك المجتمعي وتحفظ الدولة ومؤسساتها..؟! وقد تجاوزت الأزمات الاجتماعية (ومن بينها البطالة) كل الخطوط الحمراء؟!
من أسف، ان عديدين من المؤثرين في القرار، منشغلون بالبحث عن «توازنات طائفية» ويبنون على ذلك سيناريوات، ليس من المضمون ان تصل الى نتائج ايجابية.. ومن أسف أكثر، ان النظام السياسي الطائفي في لبنان، ارتبط وعلى مدى تاريخه بنظام «ضمانات خارجية» عابرة، او خارقة لحدود السيادة الوطنية والحرية والاستقلال، وكأن «التوازن الطائفي» في لبنان ليس سوى تعبير عن توازنات ومصالح خارجية، للدول «صاحبة الحماية والنفوذ..»؟!
يقر الجميع، «ان النظام الطائفي – المذهبي في لبنان، هو في التجربة التاريخية مولّد دائم للأزمات والانقسامات العمودية والحروب الداخلية بين اللبنانيين.. كما وهو اداة للتطلع الى الخارج والاستقواء به واستدراج تدخله العميق في عملية تعديل التوازنات الطائفية..». خصوصاً وأن البعض من هذه الدول يرى ان نقل خطوط الدفاع الى داخل دول الجوار لا يكون بغير التعاضد مع قوى داخلية ونشر النفوذ السياسي والمالي داخل هذه الدول..
في قناعة عديدين، أن ما أطلقه الأمير محمد بن سلمان «لا يعني بالضرورة اقفال طرق الحوار مع ايران ورفضاً له» بقدر ما كان جرس إنذار، وخريطة عمل لدول المنطقة، وتحديداً للبنان من أجل بناء الدولة والوطن في مقابل الطائفية والمذهبية، وهو لا يكون بغير قانون تأسيسي يخرج اللبنانيين من كهوف الانغلاق والانعزال والتقوقع مع تعزيز قدرات الجيش اللبناني وسائر الأجهزة الأمنية تسحب ذرائع «السلاح غير الشرعي»؟!