تمديد المفاوضات النووية حتى نهاية حزيران المقبل يعني تمديداً لأزمات المنطقة، لأنه في ظل الفصل بين الملفين النووي والدور الإيراني، لن تفرِّط طهران بأوراقها في الإقليم قبل أن يحين أوانها، الأمر الذي يضع المنطقة ولبنان أمام ثلاثة احتمالات: استمرار الستاتيكو، تحصينه أو انفراطه.
المرحلة الممتدة حتى تموز مفتوحة أمام شتى الاحتمالات باستثناء احتمال واحد وهو التوصّل إلى تسويات نهائية في أيّ من الملفات الساخنة، لأنّ هذه التسويات تتطلب مفاوضات دولية-إقليمية لن تبدأ قبل الاتفاق على الملف النووي، ما يعني أنّ التطورات ستتراوح ضمن احتمالات ثلاثة.
الاحتمال الأول، استمرار الستاتيكو: يفترض موضوعياً أن يُفضي تمديد التفاوض النووي تمديداً للأوضاع من دون أي تعديل يذكر، لأن المرحلة الفاصلة تشكّل استمراراً للمرحلة السابقة، ومن مصلحة كل الأطراف التعايش مع الأزمات القائمة بانتظار اللحظة التي تسمح بجلوس كلّ القوى المؤثرة حول طاولة المفاوضات للاتفاق على تقاسم النفوذ تمهيداً لإطفاء الحرائق المشتعلة.
ويساهم توازن الرعب القائم في استمرار التطبيع الحالي، لأن لا إمكانية لأيّ طرف بتعديل ميزان القوى الموجود، الأمر الذي يجعل كل القوى متهيّبة لأيّ تطور، ما يدفعها إلى تركيز جهودها على تثبيت الستاتيكو والحؤول دون تغييره.
وإذا ما تمّ إسقاط هذا الواقع على الوضع اللبناني، فيعني أنّ المشهد الداخلي سيبقى على ما هو عليه من دون أي تعديل يذكر، أي فراغ رئاسي ومساكنة حكومية يتمّ تدعيمها بحوارات جانبية بين «حزب الله» و»المستقبل» من أجل تثبيت التفاهم السياسي-الأمني، وفي موازاتها إقرار القوانين الضرورية في مجلس النواب التي تشكّل قاعاته مساحة للتواصل أيضاً بين فريقي النزاع.
الاحتمال الثاني، إنفراط الستاتيكو: قد تجد القوى الإقليمية على اختلافها التمديد الطويل نسبياً للنووي مناسبة لتوجيه الرسائل الساخنة بالحد الأدنى، ومحاولة لتبديل موازين القوى على الأرض في الحد الأقصى. فلو كانت القوى الغربية وإيران على قاب قوسين أو أدنى من التوصّل إلى اتفاق، كان يفترض ألّا يتجاوز التمديد نهاية العام الحالي، وبالتالي الترحيل إلى حزيران يعني أنّ الهوّة ما زالت واسعة.
وإذا كان الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، قد رفضا أيّ تساهل في هذا الملف، فالإدارة الأميركية مضطرة من الآن وصاعداً الى أن تنحو نحو مزيد من التشدد قطعاً للطريق أمام مزايدات «الجمهوريين»، الأمر الذي يجعل طهران أمام احتمالين: الموافقة على الاتفاق الذي لا مفرّ منه كمدخل لرفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكتها وفتح الباب أمام مفاوضات جديدة توَصّلاً إلى تفاهمات حول ملفات المنطقة.
والاحتمال الثاني أن تتّجه إلى التسخين من جنوب لبنان مروراً بسوريا وصولاً إلى العراق واليمن من أجل أن تُدخل تعديلاً جوهرياً على المفاوضات النووية على قاعدة أن تتنازل طهران في النووي مقابل إقرار المجتمع الدولي بدورها الإقليمي كمدخل للتبريد مجدداً. فطهران أصبحت محشورة جداً نووياً وإقليمياً، وهي بحاجة لقلب الطاولة بغية أن تستعيد المبادرة التي فقدتها على كلّ الصعد.
الاحتمال الثالث، تحصين الستاتيكو: التفاهمات السياسية في ظل أوضاع متحركة على الأرض تتطلب صيانة متواصلة، وإلّا ستكون معرّضة للانهيار في أي لحظة نتيجة مناخات الحرب والتعبئة القائمين. فالقوى الإقليمية برعاية دولية ستسعى في الفترة الفاصلة عن تموز إلى إرسال إشارات حسن نيّة بحرصها على تطويق الملفات الساخنة وتبريدها ريثما تكون انجلَت الصورة النووية.
فطهران، وخلافاً لمواقفها المتشددة حفاظاً على هيبتها واستيعاباً لأيّ ردود فعل داخلية، ليست في موقع مطاحنة القوى الغربية، خصوصاً في ظل أوضاعها الاقتصادية المزرية وملفاتها الإقليمية المأزومة. وبالتالي، من مصلحتها التشدّد شكلاً والتراخي مضموناً لإبقاء التواصل مع الغرب قائماً وإقناعه بأن لا بديل من التفاهم معها. وهي تدرك أنها ليست في موقع القادر على قلب الطاولة.
وإذا ما تمّ إسقاط مقومات هذا الاحتمال على الوضع اللبناني، فيعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تسوية رئاسية، لأنّ تحصين الوضع فعلياً غير ممكن من دون انتخابات رئاسية تعيد انتظام الحياة الدستورية والسياسية، وتطمئن المسيحيين بأنهم غير مستهدفين، وتجعل جميع القوى في مركب واحد، وهذا المركب ما هو سوى إدارة الأزمة حتى إشعار آخر.
وليس تفصيلاً ألّا تنعكس مطالبة المندوب السعودي في الأمم المتحدة بوضع «حزب الله» على قائمة المنظمات الأرهابية تشنّجاً بين الحزب و«المستقبل»، وليس تفصيلاً أيضاً ألّا تنعكس شهادة النائب مروان حمادة في المحكمة الدولية على الترتيب السياسي القائم.
وبالتالي، بمعزل عن اختلاف مصلحة الطرفين في الاستقرار، فإنّ عنوان المرحلة المقبلة لبنانياً سيكون تحصين هذا الاستقرار، وهذا التحصين لا يتمّ بمبادرة ثنائية فقط بين الضاحية وبيت الوسط، إنما هناك رعاية إقليمية سعودية-إيرانية لهذا التوجّه الذي من الواضح انه تمّ فصله عن ملفات المنطقة بمسعى غربي أيضاً، والذي سيُصار إلى استكماله بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومن أبرز مؤشرات هذا التوجه الغربي-الإقليمي لتحصين الاستقرار وانتخاب رئيس هو القلق العوني الذي تُرجم بتقلّبات قام بها العماد ميشال عون لا يمكن تفسيرها إلّا بكونها ناجمة عن التقاط علامات دفعته إلى التحرّك في كل الاتجاهات لإسقاطها وإفشالها. ويبقى أنّ الأسابيع القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتحديد الاتجاه الذي ستسلكه المنطقة ضمن الاحتمالات الثلاثة.