دعيت مرة مع مجموعة من الاصدقاء الى عشاء في الخنشارة. ترافقت في الطريق مع احدهم وكان يشكو لي ضيق الوقت نظراً لانشغالاته وأعماله الضاغطة، ولما دار حديث في السهرة عن الحركة الاقتصادية المتباطئة وقلة الاشغال وتراجع المداخيل، أفاض مرافقي في الشكوى التي لم أصدّقها. وفي طريق العودة سألته عن اوضاعه، فأجابني انه يحمد الله على كثرة العمل وتضاعف مداخيله. ضحكت وسألته مجدداً، فقال إنه لم يرد ان يصرح بالحقيقة “خوفاً من صيبة العين”. وهذا ما يدفعني غالباً الى التشكيك في ارتفاع الشكوى في لبنان، كأنما صرنا شعبا يهوى “النق” ولا يرى الجانب الممتلئ من الكوب.
في مراجعة سريعة لأحوالنا، وفي نظرة ايجابية لا تلغي المشكلات التي نعانيها، يمكن تعداد الآتي:
– الوضع الامني في الداخل افضل من أي وقت مضى، فالحوادث في طرابلس توقفت، وسجن رومية ضبط مرحلياً، والسرقات والخطف في البقاع تراجعت بعد تنفيذ الخطة الامنية، والاعتداءات الداخلية على الجيش في عكار ومناطق اخرى جمدت، والوضع الامني على الحدود تحسَّن بعد ضبط المعابر وقيام الجيش والامن العام باجراءات جديدة وقائية. وحصل الجيش على هبة سعودية هي الاعلى قيمة منذ قيام لبنان، مما يبشر بتجهيزه وفق مقاييس عالية.
– الوضع المالي مستقر، وقد اظهر اصدار سندات الاوروبوند الاخير، والاقبال الكبير عليه، الثقة الدولية بلبنان. واليوم يعلن عن افتتاح مصرف جديد في لبنان برأسمال يصل الى مئة مليون دولار، وحركة التزلج ناشطة وتجذب السياح العرب. وقد اظهرت ارقام اعلنها وزير السياحة أن الحركة السياحية ارتفعت في كانون الثاني الماضي 38%، فيما زاد عدد الزائرين السعوديين 118%.
– أما الوضع الحكومي الذي يشكى منه، فلم يكن في افضل حال في اوقات سابقة، او في ظل وجود رئيس للجمهورية، ولم تكن القرارات الكبرى تتخذ من دون توافق سياسي بين الزعماء بعيداً عن طاولة مجلس الوزراء، ولم يكن في امكان الرئيس ان يعطّل أي قرار يحظى بموافقة المسيطرين على مقدرات البلد. وكلنا نذكر انه تم قفل مجلس النواب سابقاً، وتمت مقاطعة الحكومة، واعتبرت قراراتها غير دستورية، اي ان الوضع في المؤسسات الرسمية بلغ حداً من الاهتراء تجاوز ربما ما نحن عليه اليوم.
– الوضع الصحي بات افضل مما كان عليه سابقا بفضل الحملات التي بدأها وزير الصحة وائل ابو فاعور، ومضى بها ايضاً وزراء المال علي حسن خليل، والزراعة أكرم شهيب، والاقتصاد ألان حكيم، والعمل سجعان قزي، فازدادت الرقابة، ونشطت حملات الدهم والقفل فرضاً لالتزام المعايير والمواصفات. اضافة الى محاولات ضبط الجمارك في المرفأ والمطار، وتحسين آلية العمل في الدوائر العقارية.
قد يكون القول إن لبنان في أحسن حال مبالغاً فيه بعض الشيء، لكنه حضٌّ على النظر بايجابية الى الامور.