مقالتي اليوم، تعالج موضوعين اثنين منفصلين في الشكل، لكنهما يحملان في المضمون الازمة الخطيرة التي يعانيها لبنان وتهدد في العمق كيانه ووجوده كدولة مستقلة حرة ذات سيادة كما نصّ على ذلك الدستور في الفقرة – أ- من مقدمته كما نصّ في الفقرة – ج- على ان لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة كما نصّت الفقرة -د – من المقدمة ان الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة واريد هنا ان اشدد على مضمون المادة -8- من الفصل الثاني للدستور، التي تقول «ان الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون، ولا يمكن ان يقبض على احد او يحبس او يوقف الاّ وفاقا لاحكام القانون (وليس وفاقا لرغبة هذا الضابط او هذا العسكري) ولا يمكن تحديد جرم او تعيين عقوبة الا بمقتضى القانون».
كما تنص المادة -13- من الفصل عينه على ان «حرية ابداء الرأي قولا وكتابة، وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون».
هل طبّق الامنيون من جيش وقوى امن ورؤسائهم هذه النصوص عند تعاملهم مع مواطنين انتفضوا لكرامتهم وحقوقهم ضد طبقة سياسية فاسدة، افقرتهم واذلّتهم وتجاهلتهم طوال شهرين، وتعاملت معهم كمجرمين ضربا ورفسا وجرجرة واعتقالا تعسفيا يصاحبه المزيد من الضرب والرفس والشتم، وهم لا يملكون من اسلحة للدفاع عن انفسهم سوى العلم اللبناني والنشيد الوطني، بينما جلاوزة السلطة وزعرانها يغزون الشوارع والساحات، يحملون العصي والنار والسكاكين، يضربون ويحطمون ويحرقون ويسرقون، وقوى الامن على اختلاف انواعها لم توقف واحدا منهم، وهي اذا فعلت فلساعات قصيرة وليس لايام كما يحصل مع شباب الانتفاضة على الظلم.
هل يعقل ان وزيرة الداخلية ريّا الحسن المسؤولة المباشرة عن حماية المتظاهرين، تعترف بأن قوى الامن لم تحفظ حقوق المتظاهرين وان مندسّين شوّهوا تحركهم، وبدلا من ان تطلب من قوى الامن التنبه الى وجود مندسّين وتلاحقهم بدلا من ان يلاحقوا المتظاهرين بالقذائف المسيلة للدموع والعصي واعقاب البنادق، تطلب من المتظاهرين القيام بهذه المسؤولية المستحيلة، واقول مستحيلة لان الزعران والجلاوزة كانوا يقومون باعتداءاتهم بقرب قوى الامن وتحت بصرهم، وهذا موثّق بمئات الصور.
***
الموضوع الثاني المستحيل، هو عملية التكليف التي ينتظر ان تتم اليوم، الاّ اذا رأى رئيس الجمهورية ان الوقت المناسب غير مناسب، ولماذا الاستعجال، والوقت امامنا، والناس بألف خير، والاستحالة لها عدة رؤوس، الاول ان سعد الحريري مصرّ على حكومة اختصاصيين مستقلين، ورئىس الجمهورية مصرّ على حكومة تكنوسياسية تجمع جميع من اوصلوا لبنان الى هذا المأزق يسانده بذلك الثنائي الشيعي وحلفائه والرأس الثاني «عجيبة سياسية» ان يرفض التيار الوطني الحر المشاركة في الحكومة ويذهب الى معارضة الحكومة والعهد، والرأس الثالث الذي يقحم ذاته في دائرة المستحيلات، اصرار الثنائي الشيعي على تكليف الحريري، ولكن الحريري يرفض الحكومة التي يريدها الثنائي الشيعي الرأس الرابع والمهمّ ان نائب وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية دفيد هيل سيزور لبنان هذا الاسبوع حاملا «موقفاً مهما» وكلنا يعرف ماذا ستكون عليه ردود الفعل على هذه الزيارة قياسا على الماضي.