ميرفت سيوفي-
لا تكمن المشكلة الحقيقيّة في الطائرتين المسيّرتين في الضاحية، ولا في ما يجري الترويج له منذ الأمس تحت عنوان «ضربة مدروسة» يوجّهها حزب الله لإسرائيل ردّاً على اعتدائها، العين يجب أن تتجّه صوب جهود الديبلوماسيّة «الماكرونيّة» التي جرت على هامش قمّة الدول السبع لإقناع طهران بتحييد لبنان عن صراعاتها الإقليميّة، ولا يحتاج الأمر إلى كثير جهد لاكتشاف أن طهران لن تحيّد لبنان لأنّه جبهتها الأولى والأقوى لإشعال حرب تحاول أن تفرض من خلالها شروطها، هذا الأمر سبق وذقناه في حرب تموز العام 2006، ولا داعي للتذكير بتدخلات ودور وزير الخارجية الإيرانيّة وقتها «منوشهر متكي».
أعلنت بالأمس المحطة الإيرانيّة «قناة برس» أن إيران رفضت طلب الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون التفاوض حول برنامجها الصاروخي، مع هذا الإعلان ذهب تمنّي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ـ وهو الأقدر بين سياسيي لبنان في استقراء القادم من الحوادث ـ نجاح ماكرون في جمع ترامب وروحاني لإنقاذ المنطقة أدراج الرياح، وهذا يعني أنّ الأمور وصلت إلى طريق مسدود مع إيران، لذا لا مفرّ على الأقلّ من حرب مصغّرة بالوكالة عن إيران يكون لبنان وسوريا والعراق مسرحاً لها، بمعنى آخر ضرب الوجود الإيراني في المنطقة حيث الحرس الثوري في سوريا والحشد الشعبي (الشيعي) في العراق وحزب الله في لبنان، وقد يكون إصرار حزب الله على «ضربة مدروسة» فرصة مؤاتية ليقصقص الذين تجول أساطيلهم في المنطقة أذرع إيران لترضخ وتفاوض على صواريخها البالستيّة التي تهدد بها دول الخليج العربي.
واحدة من مشكلات حزب الله الكبرى تقديراته الخاطئة خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بردود الفعل الإسرائيليّة، والحديث عن ضربة مدروسة هو حديث عـ»العمياني»، فمتى انطلق السهم لا أحد يعرف أين سيستقرّ، ففي 12 تموز العام 2006 كانت حسابات حزب الله أنّه سيختطف بضعة جنود إسرائيليين ولكن حسابات العمليّة تدحرجت إلى ثمانية قتلى من الجنود الإسرائيليين تركهم الحزب بأرضهم واختطف جنديين لم يلبثا أن توفيا، يتذكر اللبنانيّون ذلك النهار والليلة الإستعراضية عندما احتلّ نواب حزب الله شاشات المحطات اللبنانيّة فيما كانت إسرائيل قد هدمت معظم الجسور والبنى التحتيّة وقطعت معظم طرق المواصلات بين الجنوب وباقي المناطق، وكان نواب الحزب يبتسمون ساخرين من المحللين الذين يحذرون من أنّ حرباً إسرائيليّة عاتية على لبنان ستندلع بين دقيقة وأخرى، فيما هم يقولون «هالقد حدودها» إسرائيل لن تجازف وتخوض حرباً، وكانت النتيجة كارثة على لبنان بكلّ معنى الكلمة!
بقدر ما يبدو رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو متناغماً مع حزب الله كلاهما ظلت لسنوات طويلة الحرب ليست في مصلحته فهل تغيّر اليوم شيء في هذا التناغم؟ عوّدتنا إسرائيل أن تخوض حرباً على لبنان مع كلّ انتخابات، من أيام إسحاق شامير ومناحيم بيغن، ونتنياهو في وضع لا يحسد عليه ولا يشحذ إنتخاباتهم إلا دماء شعوب المنطقة، الخوف الحقيقي أن تتلقّى إسرائيل ضوءاً أخضر مع بلوغ المحاولات مع إيران طريقاً مسدوداً، وغالباً ما يلي طريق المفاوضات المسدود اندلاع حرب، والأحداث والأجواء في لبنان باتت جاهزة خصوصاً مع حالة القلق الشديد التي تنتاب اللبنانيين في انتظار ردّ حزب الله وضربته المدروسة، فيما الدولة اللبنانيّة في غيبوبة ولا تملك من أمر لبنان شيئاً لا سلماً ولا حرباً ولا ما بينهما أيضاً!