قفزت اتفاقية غاتكا الى واجهة الاحداث المالية في لبنان، بسبب التخوّف من تداعيات تنفيذها، خصوصا بعدما دخلت الهيئات الاقتصادية على الخط وعقدت اجتماعا خصصته للحديث عن هذا الملف، واقترحت معالجة ذيوله المحتملة.
تعود الاتفاقية الدولية للشفافية والتبادل التلقائي للمعلومات الضريبية والمعروفة بـ»غاتكا» في شكلها الحديث، الى أواخر التسعينات عندما اجتمعت الدول المتقدمة ولاحظت حصول تهرّب ضريبي هائل وانتقال الاشخاص والاموال من دولهم ولأسباب ضريبية، الى جنات ضريبية او الى بلدان تفرض ضرائب متدنية.
وأصبحت الدول المتقدمة، تركّز على فئتين من البلدان: الجنات الضريبية (جزر كايمن، بنما وغيرها….) التي لا تُدفع فيها الضرائب، والمراكز المالية (سويسرا، لبنان….) التي تسهّل انتقال الارصدة والاموال اليها عن طريق قانون السرية المصرفية.
منذ العام 1999، اجتمعت الدول المتقدمة تحت جناح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من أجل محاربة التهرّب الضريبي والدول التي تعتبر جنات ضريبية، وحاولت خلال مسعاها آنذاك، الى تغيير أنظمة الجنات الضريبية وفرض ضرائب مرتفعة فيها، وإجبار الدول التي تتمتع بالسرية المصرفية على رفعها. ولكنّ هذا المسعى باء بالفشل بسبب رفض الدول التعاون في هذا الاطار، وانسحاب الولايات المتحدة وابتكارها نظام «فاتكا» الخاص بها.
ابتداء من العام 2006 غيّرت الدول الغربية مسعاها، واجتمعت في 2009 في ما عُرف بالـglobal forum، وقررت إلزام المؤسسات المالية في كل الدول، والتي تعمل ضمن النظام المالي العالمي، بالافشاء عن المعلومات المختصة بغير المقيمين. وتحوّلت المعركة حول مبدأ «المقيم» و»غير المقيم».
خلال لقاء برلين في 2014، تم الاتفاق على عدم الاكتفاء بتبادل المعلومات وفقا لغب الطلب (upon request) بل بخلق نظام التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية CRS. وحُددت الدول الاكثر اهمية والتي يجب ممارسة الضغوط عليها للالتزام باتفاقية «غاتكا»، وكان لبنان أحد تلك الدول بسبب السرية المصرفية التي يتمتّع بها.
في هذا الاطار، أوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي الضريبي كريم ضاهر لـ»الجمهورية» أن هناك 3 مراحل يجب تطبيقها في نظام التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية من أجل التمكّن من الحصول على المعلومات الضريبية، ولكن في المقابل أيّاً تكن المرحلة التي يمرّ فيها البلد، عليه بمجرد التزامه الاتفاقية، ان يرسل المعلومات الضريبية عن العام الذي دخل فيه الى الاتفاقية والعام الذي سبقه (2018 -2017).
وأشار ضاهر الى ان لبنان عند التزامه توقيع الاتفاقية، في المرحلة الاولى، كان عليه اقرار القانون 43 المتعلّق بتبادل المعلومات الضريبية غب الطلب، إلا ان لبنان فرض شروطاً للتبادل، مما دفع المنظمة الى رفض هذا القانون الذي أقرّه مجلس النواب.
أما الشرط الثاني لاتمام المرحلة الاولى كان إلغاء «الاسهم لحامله»، لم يستطع لبنان التجاوب لان ذلك يستلزم تعديل قانون التجارة مما دفع لجنة الادارة الى اصدار توصية بذلك تنفذ خلال عام، لكن المنظمة لم تقبل بذلك وفرضت ضغوطا على مصرف لبنان من اجل منع المصارف التعامل مع شركات تحمل هذا النوع من الاسهم.
الشرط الثالث من المرحلة الاولى هو توضيح تصنيف «المقيم»، وقد تمّت صياغة مشروع لتعديل قانون الاجراءات الضريبية عبر ادخال تصنيف وتعريف للمقيم. وأصبح هذا القانون جاهزاً ينتظر اول اجتماع لمجلس النواب لاقراره.
تعريف المقيم
حدّد مشروع القانون تصنيف «المقيم» باستيفاء الشخص المعنيّ أحد تلك الشروط وليس جميعها:
– يملك مركز عمل له في لبنان.
– محلّ إقامة ثابت له أو لعائلته (الزوج الزوجة والاولاد على عاتقها).
– إمضاء 183 يوماً في لبنان لا يؤخذ في الاعتبار من ضمنها، فترات العلاج في لبنان او رحلات الترانزيت.
أوضح المحامي ضاهر ان هذا التصنيف يحمي اللبنانيين الموجودين في الخارج على عكس ما يتخوّف منه البعض. وشرح انه عند التوقيع على اتفاقية تبادل المعلومات الضريبية، سيُكشف عن الحسابات المصرفية لغير المقيمين أي للذين لا يستوفون شروط تصنيف «المقيم» المحددة في القانون المنتظر إقراره. في حين شدد ضاهر على ان السرية المصرفية لا تزال سارية على «المقيم»، مما يمكن ان يشكل عامل جذب للبنانيين في الخارج من أجل حمايتهم عبر السرية المصرفية.
وردا على سؤال، أكد ضاهر ان التكليف وفقا لـ»غاتكا» ليس وفقا للجنسية بل وفقاً للاقامة (مكان الاقامة) او الاقليمية (مكان تحقيق الربح). وبالتالي اي مواطن مهما كانت جنسيته، يستوفي تصنيف المقيم في لبنان، يحظى بسرية تامة لحساباته المصرفية.
وبالنسبة لما تطالب به الهيئات الاقتصادية من تعديل للمادة 69 من قانون ضريبة الدخل اللبناني والتي تفرض ضريبة تبلغ 10% على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة، شرح ضاهر ان من يملك حسابات مصرفية في الخارج سيتم التصريح عنها بموجب «غاتكا» لوزارة المالية اللبنانية، التي ستفرض بدورها تلك الضريبة حيث كانت ذكّرت في اواخر العام 2015 بحقها في استرداد حقوقها من الموجبات الضريبية على ايرادات رؤوس الأموال المنقولة عبر مرور الزمن أي الرجوع 5 الى 7 سنوات الى الوراء.
واشار ضاهر الى ان هذا هو الامر الذي تحذر منه الهيئات الاقتصادية وتطالب بقانون تسوية او اعفاء على السنوات الماضية، وبتعديل المادة 69 بحيث لا تطال ايرادات رؤوس الاموال المنقولة. كما وتسأل الهيئات الاقتصادية لماذا لا تُفرض ضريبة دخل على ربح الاشخاص العاملين في الخارج وتُفرض فقط على ايرادات رؤوس الاموال المنقولة؟