من المبكر إطلاق القراءات التفاؤلية أو التشاؤمية تجاه لبنان، لنتائج محادثات القمة الروسية ـ التركية التي جرت في بطرسبورغ. فقد اعتبرت مصادر ديبلوماسية على تماس مع الواقع المستجدّ على مستوى العلاقات الروسية ـ التركية، أن الهدف الأساسي الذي كرّسته هذه المصالحة الثنائية، هو تطبيع العلاقات عشية بدء مرحلة جديدة أمنية وسياسية على المسرح الإقليمي انطلاقاً من الساحة السورية. وأوضحت أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب الطيب أردوغان، قد بدءا الخطوة الأولى في مسيرة إعادة ترميم العلاقات الثنائية بعد حادث إسقاط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية فوق الحدود السورية في 24 تشرين الأول الماضي. ولعل الصورة التي غابت عنها أية مدلولات إيجابية، والتي التقطت للقاء الرئيسين الروسي والتركي بالأمس، تشكّل أبرز دلالة على الصعوبات المحيطة بعملية رسم خارطة طريق جديدة للعلاقات بين القيادتين، على حدّ قول الأوساط الدبلوماسية، إذ كشفت أن ما تحقّق في الميدان السوري قبل ساعات من حصول اللقاء التاريخي، قد حمل أكثر من رسالة مسبقة حول ما يتوقّعه الجانب التركي من قمة بطرسبورغ، وتحديداً من القيادة الروسية الحاضرة بقوة في هذا الميدان.
وفي مقدمة هذه الرسائل الإنقلاب الذي شهده مسار الحرب في حلب، والذي يعود بشكل أساسي، كما أكدت الأوساط الديبلوماسية، إلى التحوّل السياسي في المشهد التركي بعد الإنقلاب الفاشل الأخير. فالإنخراط التركي في الحرب المفتوحة في سوريا قد تكرّس بعدما أجرى أردوغان حملة التغييرات في المؤسّسة العسكرية التركية، وبشكل أدّى إلى إزالة كل العوائق التي كانت قائمة أمام تقديم الدعم الميداني للمعارضة السورية. في المقابل، فإن الرسالة الثانية أتت على لسان أردوغان، الذي حرص على الإشارة إلى الإتصال الهاتفي الذي تلقاه من الرئيس الروسي بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا تزامناً مع تلميحه إلى تأخّر حلفائه الإسترتيجيين، أي واشنطن في إعلان دعمهم له، كما أضافت الأوساط الديبلوماسية ذاتها. وبالتالي، فإن توضيح المواقف بين الرئيسين الروسي والتركي، قد أسّس لواقع جديد في العلاقات الثنائية، قد يكون المدخل إلى إعادة هيكلة المقاربة بين أنقرة وموسكو للملفات البارزة في المنطقة وهي الحرب السورية وأنابيب الغاز الروسي عبر تركيا، ومحاربة الإرهاب التكفيري.
من هنا، فإن بداية التفاهم الروسي ـ التركي على المصالح المشتركة، يعكس تبدّلاً في الأولويات، ولكن من دون أن يمرّ هذا التفاهم في غياب أي ردّة فعل من حلفاء الطرفين، وبشكل خاص الإدارة الأميركية التي ستقول كلمتها في 21 من الجاري لدى زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تركيا، بالإضافة إلى الإتحاد الأوروبي الذي وصل إلى نقطة قطع العلاقات وتجميد المفاوضات لآنضمام تركيا إليه. وفي الوقت نفسه، قالت الأوساط الديبلوماسية عينها، أن الرئيس الروسي يوجّه من خلال «المصالحة» مع أنقرة رسالة قوية إلى إدارة الرئيس باراك أوباما، التي لم يتّفق معها بالكامل حتى الساعة على خطة مشتركة لمحاربة الإرهاب انطلاقاً من الأراضي السورية. لكن ترجمة التطوّر في مشهد العلاقات الروسية ـ الأميركية في أزمات المنطقة، ومن بينها الأزمة اللبنانية، فتقول الأوساط الديبلوماسية، أن خارطة الطريق الجديدة لن تلامس المشهد اللبناني إلا بشكل غير مباشر، ومن خلال البوابة السورية، حيث أن الإرتباط الوثيق بين الوقائع العسكرية في سوريا والواقع اللبناني، هو الذي سيواجه تحوّلاً، وذلك انطلاقاً من الدفع بالتسوية السياسية في سوريا التي ستنتج ظروفاً تسمح بمقاربة التسوية في لبنان والمؤجّلة حتى بلورة المشهد الذي سترسمه معركة حلب، التي لم تبدأ بعد.