IMLebanon

لبنان في قلب النار.. وقلب «حزب الله» على دمشق وحمص!

قراءتان متناقضتان لمعارك جرود عرسال.. وخبراء لا يرون نتائج إيجابية لصالح النظام

لبنان في قلب النار.. وقلب «حزب الله» على دمشق وحمص!

منطقة بعلبك – الهرمل  باتت فعلياً في دائرة الدخول في اشتباك كبير على خلفية التأزم المذهبي

ثمة اختلاف واضح في قراءة  المعركة التي يخوضها «حزب الله» راهناً في جرود عرسال ضد مسلحي المعارضة السورية وفي مقدمهم «جبهة النصرة» التي تأخد من المناطق الجردية المتداخلة لبنانياً وسورياً ملاذاً لها منذ سيطرة النظام والميليشيات الداعمة له على قرى وبلدات القلمون الغربي الحدودية، من القصير إلى يبرود، وانسحاب المقاتلين باتجاه الجرود القلمونية والعرسالية.

 ومرد هذا الاختلاف يعود إلى طبيعة القراءة  الأشمل للتطورات الميدانية التي تطرأ على المشهد السوري، والتي أفضت في الأسابيع الماضية إلى انهيارات كبرى في صفوف النظام وخسارته مناطق أساسية، من خروج محافظة إدلب شمالاً بشكل شبه كامل عن سيطرته وفقدانه مدينة جسر الشغور الحيوية التي  تشكل عقدة وصل استراتيجية بين محافظات حلب وحماه واللاذقية، إلى خسارة  مدينة تدمر في الوسط التي عبّدت الطريق باتجاه حمص وحماة  والساحل السوري، وباتجاه  حلب شمالاً والغوطتين الشرقية والغربية ودمشق جنوباً، وإلى رجحان كفة سيطرة المعارضة على الجبهة الجنوبية.

إزاء هذه التحولات الميدانية الكبرى، يرى خبراء أمنيون أن «جبهة القلمون» وامتداداً جرود عرسال التي تشكل حديقة خلفية للمعارضة السورية المسلحة ليست سوى جبهة ثانوية ضمن المعطيات الراهنة، وليست للمعركة التي يخوضها «حزب الله» من  تأثيرات حاسمة إيجابية في ميزان الحسابات المرتبطة بوضع النظام. فالحزب الذي يدرك استحالة خوض معارك أساسية لاستعادة ما خسره النظام، يفيد من «الوقت الضائع» لخوض معركة الجرود في القلمون وعرسال، لتسجيل انتصار هو في المعنى العسكري انتصار آني ومرحلي، ذلك أن تلك المجموعات المتواجدة في الجرود لا تملك تجمعات حماية وخطوط دفاعية ومواقع ثابتة، لخوض مواجهات كلاسيكية، ولا هي حشدت قواها لفتح معركة مدروسة في سياق المعارك التي تخوضها المعارضة على غير جبهة، بل هي تعتمد منذ لجوئها إلى الجرود على حرب العصابات والعمليات الخاطفة ونصب الكمائن ضد «حزب الله»  في نقاط  تمركزه أو أثناء تنقلاته.

ويذهب هؤلاء الخبراء إلى الاعتقاد أن «حزب الله» غير قادر  على تثبيت مواقعه في الجرود نظراً لطبيعتها الجغرافية الصعبة، ولن يكون قادراً على توسيع انتشاره الذي يحتاج إلى إمكانات عسكرية وأمنية متطورة وإلى أعداد كبيرة من المقاتلين، ذلك أن انفلاشه على مساحات شاسعة يضعف دفاعاته وقدرته على حماية هذا الانتشار.

غير أن القراءة على مقلب «حزب الله» تبدو مختلفة سواء في الحسابات أو الأبعاد. فالمعركة لها وظيفة استراتيجية باتت ملحة في ضوء التطورات السورية الأخيرة، وهي تتمثل في ربط شريط  القصير – القلمون – الزبداني – داريا – الجبهة الجنوبية. وهو شريط من شأنه أن يربط العاصمة بالساحل السوري، ويوفّر مزيداً من الحماية لدمشق، ويؤمّن له خط إمداد مفتوح إلى الحدود السورية – الإسرائيلية. تلك الحسابات تؤول بالعارفين على ضفة الحزب إلى تحديد أن وجهة معركته المقبلة، بعد استكمال سيطرته على جرود عرسال وصولاً إلى جرود القاع، هي منطقة الزبداني، وإن كانوا يحتسبون أن المعركة هناك ستكون معركة شرسه، قبل أن تدق ساعة الانتقال إلى الجبهة الجنوبية.

لكن الاعتبارات التي ينطلق منها «حزب الله»، والتي تحاكي في البعد الاستراتيجي منها تأمين حدود الدويلة العلوية، تشي، وفق مراقبين، وكأنه لا يأخذ في الحسبان انعكاس التغييرات السياسية الإقليمية عليه وعلى خططه على المسرح السوري، وما يمكن أن ينشأ عن تلك المعارك من ارتدادات على الساحة الداخلية، ولا سيما في منطقة البقاع الشمالي إذا ما انفلتت الأمور وخرجت عن السيطرة.

فالحزب، حسب عارفيه، يُقدم على تلك المعارك، ولا سيما معركة جرود القلمون وجرود عرسال وسط إجراءات تعتمد على يقظة أبناء القرى الحدودية اللبنانية في بعلبك – الهرمل، ولا سيما الشيعية، من احتمال حصول ردّات فعل، وعلى دور الجيش اللبناني، وربما الأهم على حسابات من أن اللاعبين الإقليميين الراغبين بتجنيب الساحة اللبنانية لهيب النيران  السورية يشكّل صمّام الأمان، غير أن هذه الحسابات التي سبق أن راهن كثيراً عليها الحزب قد لا تصيب في كل مرة، وفق أوساط سياسية عليمة، ولا سيما أن الاشتباك العربي – الإيراني راهناً يمر في فترات مفصلية، وسط مخاوف فعلية مما قد تحمله المرحلة الفاصلة عن الموعد النهائي لتوقيع الاتفاق النووي حتى نهاية الشهر من تطورات دراماتيكية، ولا سيما أن معلومات تدور في كواليس دوائر سياسية من أن منطقة بعلبك – الهرمل باتت فعلياً في دائرة الدخول في اشتباك كبير على خلفية التأزم المذهبي الحاصل على وقع التحريض الذي جرى ويجري ضد عرسال وبينها وبين محيطها، في ظل وجود مئات الآلاف من النازحين السوريين في عرسال، خصوصاً إذا آلت محاصرة البلدة أو أي مغامرة غير مدروسة في اتجاهها إلى  اشتعال فتيل الفتنة في أي لحظة، فضلاً عن  ضبابية الصورة حول المسار الذي ستسلكه الأحداث في سوريا، والوجهة التي سيتخذها  تنظيم «الدولة الإسلامية» انطلاقاً من مدينة تدمر والتي قد لا تكون حمص بعيدة عنها تماماً كما دمشق!

في الانطباع السائد لدى المقرّبين من  «حزب الله» أن معركة جرود عرسال محسوبة النتائج لجهة تداعياتها السياسية على الداخل اللبناني، لكن الانطباع السائد لدى الآخرين أن لبنان بات في قلب النار!