تعمرُ مساجد لبنان الليلة بعمّارها العائذين بنور وجه الله العظيم في ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، يُحيي اللبنانيون الليلة ليلة القدر المباركة، وهم ليسوا في أفضل أحوالهم وكذلك العالمين العربي والإسلامي، فالكرب يشتدّ، ونحن ندرك أننا في زمن جريان أنهار الدماء نعيش أكثر لحظات الأرض فساداً، في زمن القتل والتقتيل والقتلى والقتلة، حتى بتنا نخاف أن نتنفس الدماء التي تتطاير في العالم العربي، من فرط الجنوح في أعمال القتل!
نعيش في العالم العربي زمن القتل اليومي من دون أن يرفّ لنا جفن، فقد اعتدنا مشهد الدماء، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويكثر الهرج قيل وما الهرج قال: القتل» [رواه أحمد وابن حبان]، وفي صحيح البخاري «استيقظ النبي صلّى الله عليه وسلم من النوم محمراً وهو يقول: «لا إلهَ إِلا اللَّهُ ويْلُ للعرب من شر قد اقترب، فُتِحَ اليومَ من ردم يأجوجَ ومأجوجَ مِثْل هذه وعقد تِسعين أو مائة» قيل: أونَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نَعَم إِذا كثر الخَبَث».
وقد كَثُرَ الخَبَث، وفينا الصالحون، وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي صلّى الله عليه وسلّم على أطم من أطام المدينة فقال: «هَلْ ترون ما أرى؟» قالوا: لا، قال: «فإني لأرى الفِتَنَ تقع خِلالَ بيوتكم كَوَقْع المطَر»، وهي اليوم كذلك تقع علينا كوقع المطر، وأخرج البخاري في الصحيح والترمذي في سننه، حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «إصبروا، لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شرّ منه، حتى تلقَوْا ربّكم»، وعلاج شرّ أيامنا وشرّ زماننا هو الصبر، نسأل الله أن يفرغ علينا صبراً، ونعوذ به من شرّ زماننا وأيامنا، ومن شرّ الشرير والشريرين..
اللهمّ في هذه الليلة العظيمة الجليلة إرحمنا برحمتك واكشف عن عبادك يا رحمن شرّ كلّ ذي شرّ، وارحم ركّعاً سُجّداً، وشيوخاً ورضّعاً، وأخرجنا من هذه الدار غير مفتونين يا رب العالمين، فقد اشتد علينا الظّلم والظلام… يا ربّنا، «يا من إليه ترفع الشكوى يا عالم السرّ والنجوى يا من يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى يا رب الأرض والسما يا من له الاسماء الحسنى يا صاحب الدوام والبقا»، يا ربّنا، يا من غمر العباد فضله وعطاؤه ووسع البرية جوده ونعماؤه، وطننا محتاج إلى فضلك ولطفك، اللهمّ اكشف عنه شرّ كلّ ذي شرّ، وشرور إيران وأحلافها وأتباعها، واكشف عن لبنان عظيم كيدهم وتقيّتهم وأجنداتهم.
يا ربّنا، يا مفرّج الكربات، يا مجلى العظيمات، يا مجيب الدعوات، يا رفيع الدرجات، يا رب الأرضين والسماوات. يا رب ارحم شعوباً ضاقت بها الحيل وتشابهت لديها السبل ولم تعد تجد قراراً ولا علم ولا عمل…
يا ربّنا، يحتضر العالم أمام أعيننا، «الـشِّـدَّةُ أَوْدَتِ بِالْـمُـهَـجِ/ يَـا رَبِّ فَعَجِّـلْ بِالْـفَـرَجِ/ وَالأَنْفُسُ أَضْحَتْ فِي حَـرَجٍ/ وَبِيَـدِكَ تَفْرِيـجُ الْـحَـرَجِ/ هَاجَـتْ لِدُعَـاكَ خَوَاطِرُنَـا/ وَالْوَيْلُ لَهَـا إِنْ لَـمْ تَهِـجِ/ يَا مَنْ عَوَّدَتَ اللُّطْـفَ أَعِـدْ/ عَادَاتُـكَ بِاللّطْـفِ الْبَـهِـجِ/ وَاغْلِقْ ذَا الضِّيـقِ وَشِدَّتـه/ وَافْتَحْ مَا سُـدَّ مِـنَ الْفُـرُجِ/ عِجْنَـا لِجَنَابِـكَ نَقْـصِـدُهُ/ وَالأَنْفُسُ فِـي أَوْجِ الْوَهَـجِ/ وَالِـى أَفْضَالَـكَ يَـا أَملِـى/ يَـا ضَيْعَتَنَـا إِنْ لَـمْ نَعِـجِ/ مَنْ لِلْمَلْهُوفِ سِـوَاكَ يَغـثْ/ أَوْ لِلْمُضْطَـرِّ سِـوَاكَ نَجِـي/ وَإِسَاءَتُنَـا لَــنْ تَقْطَعَـنَـا/ عَنْ بَابِـكَ حَتَّـى لَـمْ نَلِـجِ/ يَـا سِيِّدَنَـا يَـا خَالِقِـنَـا/ قَدْ ضَاقَ الْحَبْلُ عَلَى الْـوَدَجِ/ وَعِبَادُكَ أَضْحَـوا فِـي أَلَـمٍ/ مَا بَيْـنَ مُكَيْـربٍ وَشَجـى/ وَالأزْمَــةُ زَادَتْ شِدَّتُـهَـا/ يَـا أَزْمَـةٌ علَّـك تَنْـفَـرجِ/ جِئْنَـاكَ بَقَـلْـبٍ مُنْكَـسِـر/ وَلِسَـانٍ بِالشَّكْـوَى لَـهـجِ/ وَبِعَيْنِـكَ مَـا تَلْقَـاهُ وَمَـا/ فِيهِ الأَحْوَالُ مِـنَ الْمزجِ/ يَا رَبِّ خُلِقْنَـا مِـنْ عَجِـلٍ/ فَلِهَـذَا نَـدْعُـوا بِاللُّـجَـجِ/ يَـا رَبِّ وَلَيْـسَ لَنَـا جَلَـدٌ/ أنَّى وَالْقَلْـبُ عَلَـى وَهَـجِ/ يَا رَبِّ عَبِيـدُكَ قَـدْ وَفَـدُوا/ يَدْعُـوكَ بِقَلْـبٍ مُنْـزَعِـجٍ/ يَا رَبِّ ضِعَافٌ لَيْـسَ لَهُـمْ/ أحَد يَرْجُونَ لـدى الهَـرْجِ».