Site icon IMLebanon

لبنان في «زوربا» اليوناني؟!

هل تذكرون فيلم «زوربا اليوناني»، وهل تذكرون المشهد الاكثر تعبيراً عن وقاحة البشر وأطماعهم، وقلّة أخلاقهم، الذي صوّر امرأة عجوزاً تلفظ أنفاسها الأخيرة على سرير في غرفة باردة، يحيط بها عشرات النسوة الغارقات في الفساتين السود، وما ان لفظت آخر نفس لها، حتى تزاحمت النسوة بشراسة ووحشية، البعض منهنّ ينزع ثيابها، والبعض الاخر انتشر في غرف البيت كالجراد الاسود، يحمل ما تطال يداه، ويلتحم في قتال مع مَن سبقه الى غرض أثمن، وفي دقائق معدودات «تزلّط» البيت كما سيدته المتوفاة، من أي شيء قابل للحمل.

استعدت هذا المشهد المخيف، وأنا أتابع نشرات الأخبار والتصريحات، على جميع أنواع وسائل الاعلام، وكانت هذه النشرات أشبه «بورقة النعوة» فتصوّرت فجأة ان لبنان هو العجوز الميتة، وان المحيطين به هم السياسيون والمسؤولون والمعتادون على المال الحرام، ينتظرون آخر انفاسه، ليستولوا على ما تبقى من لبنان، بعدما أكلوه لحماً وطمعوا حتى بعظمه.

اذا كان احد يظنّ ان لبنان عصيّ على الموت، ليس أمامه سوى استذكار ما يواجه اليوم من مصائب، كل مصيبة منفردة قادرة على اماتته…

لبنان من دون رأس منذ عشرين شهراً، وفي ظلّ حكومة عاجزة، ومجلس نيابي معوّق.

لبنان تأكله النفايات والأمراض، والحشرات، وأكلة الجبنة وكل لبناني مدين منذ ولادته بأكثر من 15 الف دولار، في وقت النمو فيه تحت الصفر، والاقتصاد يحتضر والاستثمار في الثلاجة، والليرة في غرفة العناية الفائقة لمصرف لبنان.

شعب لبنان يكاد يصبح أقلية في وطنه، بوجود مليوني سوري وفلسطيني وما تيسّر من هوّيات أخرى، يقاسمونه الماء والكهرباء والهواء والطعام وكل الأعمال المسموحة وغير المسموحة حتى الطبّ، ومع ذلك يرجمونه كل يوم ويتهمون اللبنانيين بالعنصرية والعدوانية.

مرافق لبنان الأساسية، مثل المطار والمرافئ والمعابر، بشهادة المسؤولين، سائبة لمصلحة السلاح غير الشرعي، وللمسؤولين الشرعيين، الذين طوّبوها باسمهم وأسماء أولادهم وزوجاتهم.

مساحات واسعة من لبنان، ممنوعة على اللبنانيين وعلى الدولة، وحتى على أصحابها، باستثناء من يضرب بسيف السلطان لأنه يأكل من خبزه.

المستشفيات، حكاية موجعة، والمدارس امّا زرائب، وامّا فنادق درجة أولى لمَن يملك المال.

القضاء؟ لا تسألوني، اسألوا وزير العدل اشرف ريفي، والسجناء مَن هم بزيت، ومَن هم بسمنة، ولا بأس من سؤال المحكمة العسكرية.

امّا ما تبقى من مصائب مثل الماء والكهرباء، واستفحال الجريمة، والادارة الفاسدة، والبيئة المريضة، وانتشار السلاح غير الشرعي، والهجرة، وعدم الاهتمام بأولادنا العاملين في الدول العربية، فقد أصبحت مثل الأسطوانة المجروحة لكثرة ما تلكمنا عنها ونبّهنا اليها، ولا احد يهتمّ ولا احد يسمع.

قد يسأل سائل، كل هذه المشاكل والمصائب المزمنة، ولبنان لم يمت بعد، بماذا تفسّر ذلك؟

وجوابي ان العناية الالهية لم تيأس بعد من امكانية انقاذ لبنان على يد خميرة من الرجال الصالحين المؤمنين بربهم ووطنهم وطيبة شعبهم، وهي ترفض ان يكون مصير لبنان مثل مصير عجوز «زوربا اليوناني».