لو لم يكن هناك تفاهم ضمني بين القوى السياسية الكبرى في لبنان تحت مظلة اقليمية ودولية، لأتت انعكاسات “عاصفة الحزم” اكثر دارماتيكية، متجاوزة الموقفين العلنيين المتناقضين لكل من الرئيس سعد الحريري، والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اللذين لم يتجاوزا السقوف المتفق عليها بالنسبة الى تبريد الساحة اللبنانية الداخلية ومنعها من الانزلاق نحو مواجهة اكثر حدة وسخونة كان يمكن ان تنعكس على الحكومة والشارع بشكل عام.
لم يتجاوز التناقض الفاقع بين الحريري ونصرالله حدود المواقف الاعلامية، بالرغم من الخلاف الذي نشب بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزراء “حزب الله” حول كلمته امام القمة العربية، والتي أيد فيها “عاصفة الحزم”. القرار الذي يلتقي حوله الجميع في لبنان، من سعد الحريري الى وليد جنبلاط فالسيد حسن نصرالله، يقضي بالتمسك بالمعادلة التي استنبطها جنبلاط قبل اعوام مع “حزب الله”، اي “تنظيم الخلاف” حول قضايا شائكة مثل سوريا وغيرها، ومنع وصول النيران الى الجسم السياسي الداخلي قدر الامكان.
وليد جنبلاط كان أول من ابتكر المعادلة، وفي العام الماضي لحق به سعد الحريري بفتحه قنوات حوار وتعاون مع الجنرال ميشال عون، أدت الى تسهيل ولادة الحكومة الحالية، واتبعها بفتح “حوار” مع “حزب الله”، كان واضحا انه قام على فكرة وضع الخلافات العميقة وغير القابلة للحل جانبا، والتعاون في الجوانب الممكن الاتفاق حولها، واهمها استقرار الحكومة وتسهيل عملها، وتبريد الشارع، وضبط الاحتقانات المذهبية الحادة. هذه “المعادلة” التي ناسبت الجميع في العام الماضي، قد تكون فعلت فعلها في حصر التناقض العميق في المواقف من “عاصفة الحزم” في اليمن، والتمدد الايراني في المشرق العربي، فأتى تأييد الحريري للعملية، ثم مذمة نصرالله للسعودية، وانتقادات جنبلاط الساخرة بحق ايران دون سقوف “التفاهمات” المحلية حيث ثمة رغبة واضحة في الابقاء على الساحة السياسية هادئة، والشارع باردا.
هل يعني هذا ان لبنان محيّد تماما عن نيران المنطقة؟ بالطبع لا، فالاستقرار هش، ويمكن اي جهة اقليمية فاعلة ان تنسفه في ليلة واحدة. ومن جهة اخرى، ما من احد يمكنه ان يتكهن بالتطورات المستجدة على الارض في سوريا. فبعد انتصاري بصرى الشام في الجنوب، وادلب في الشمال، باتت المعارضة في موقع الهجوم، في حين صارت قوات نظام بشار الاسد، وميليشيات “الحرس الثوري” وفي مقدمها “حزب الله” في موقع الدفاع. الحقيقة ان كل ما حققته هذه الميليشيات ولا سيما “حزب الله” لم يتعد انتصارات موضعية محدودة لم تؤثر على المآل الاخير للصراع في سوريا. وبعدما فشل هجوم “حزب الله” وقوات النظام على ما يسمى “مثلث الموت” جنوبا، فشلت محاولة اسقاط مدينة الزبداني، وبالامس استكمل الثوار سيطرتهم على المعابر بين سوريا والاردن.
لبنان محيّد حتى اشعار آخر، لكن مغامرات “حزب الله” تبقي على هشاشة الاستقرار.