IMLebanon

لبنان دخل الانتخابات حتماً إلا إذا أطاح بها حدث أمني كبير

لبنان دخل الانتخابات حتماً إلا إذا أطاح بها حدث أمني كبير

/ قاعدة «الترويكا الذهبية» تحكم شؤون إدارة الدولة والنأي بالنفس ربط نزاع دولي 

 

أوساط «مستقبلية»: تجربة الحكم أظهرت أن الكلمة الفصل للتوافقات وليس للأكثرية البرلمانية»

بدأت القوى السياسية اللبنانية تحضير ماكيناتها الانتخابية وعدّتها للانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار المقبل، في يوم واحد في كل المحافظات، على أن تسبقها انتخابات المغتربين. الجميع يؤكد أن الانتخابات حاصلة. وحده الحدث الأمني الكبير هو الذي يُُعطّلها أو يُؤجّلها، وتعبيرات الحدث الأمني تتراوح بين اغتيال كبير أو تفجير كبير.

البعض يُضيف إلى هذه التعبيرات احتمال  حرب إسرائيلية – إيرانية تكون ساحتها الجنوبين اللبناني والسوري، بعدما بات من الصعب فصل مصيرهما ومسارهما لدى الطرفين الإسرائيلي والإيراني، الذي يعتمد على أذرعه العسكرية من الميليشيات الشيعية، وفي مقدمها «حزب الله»، إذ أن زيارة قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية إلى الجنوب اللبناني رسالة إيرانية بامتياز، تريد من خلالها طهران تثبيت تجاور حدودها مع الحدود الإسرائيلية، ولا سيما بعد سيطرة النظام السوري وحلفائه على معبر البوكمال بين سوريا والعراق، ما أمّن جسر العبور البري من إيران إلى الخط الأزرق جنوب لبنان الواقع تحت رقابة قوات الطوارئ الدولية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701.

واللافت أن تلك القوى المؤتلفة في الحكم لا تُعير كبير أهمية لما يجري في الإقليم ما دامت هي غير مؤثرة فيه. هذا الكلام يستثني «حزب الله» الذي تتعدى حساباته تلك البقعة الجغرافية التي اسمها لبنان إلى ما هو أبعد منها، ضمن المشروع الذي تجسده إيران سياسياً وعقائدياً. القوّتان الرئيسيتان خارج «الشيعية السياسية» المتمثلتان بـ«تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» تعملان على ترسيخ تحالفهما بالاتكاء على الدعم الدولي، بعد أزمة الحريري مع المملكة العربية السعودية، والذي تجلى بوضوح من خلال تأكيد مجموعة الدول الداعمة للبنان، ومعها البيان الصادر عن مجلس الأمن، أهمية الحفاظ على الاستقرار الداخلي السياسي والأمني والاقتصادي والمالي في البلاد. هذا الدعم في رأي «أوساط مستقبلية» يُجسّد صوابية الخيارات السياسية التي انتهجها الحريري من ضمن التسوية الرئاسية، التي جاءت بكل من العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وبسعد الحريري رئيساً للحكومة، والتي ما كانت لتتم لولا الانفتاح على التفاهم مع «حزب الله» على ربط النزاع حول سلاحه، والتوافق على إدارة شؤون البلد.

مرتكزات هذا التوافق، تقوم في حقيقة الأمر، على إعادة إحياء مبدأ «الترويكا»، وليس «الثنائية السنية – المارونية»، حيث تسعى أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التسريب بأنه مستعد للذهاب إلى أبعد الحدود، انطلاقاً من حمايته للموقع الشيعي في السلطة الإجرائية. تَوافُق «الترويكا» أطلق الضوء الأخضر لكل كبيرة وصغيرة. هكذا كان الأمر في زمن الوصاية السورية على لبنان الذي جرى بقرار إقليمي – دولي، وكانت يومها دمشق ناظمة للعلاقات بين اللبنانيين. بعد الانسحاب السوري، سعى «حزب الله» لأن يلعب  هذا الدور، ولا يزال، وإن كان يبدو في كل محطة أنه يصاب بالتشظي.

ما يدفع إلى هذا الكلام هو القناعة الراسخة  لدى قوى رئيسية في السلطة بأن رئيس الجمهورية، من منطلق تحالفه العميق مع «حزب الله»، يدرك مدى هوامشه، وبالتالي، فهو ما كان ليذهب إلى طرح «مرسوم أقدمية ضباط دورة عون» من دون التنسيق مع «حزب الله»، أو على الأقل معرفته بأن الحزب لن يُمانع، ما يعني أن المرسوم الذي وقع عليه الحريري لم يكن نتيجة اتجاه إلى تكريس النزعة في إمساك «الثنائية السنية – المارونية» بإدارة البلاد بقدر ما كان نتيجة توافق عون مع «حزب الله»، وقرار الحريري بالتماهي مع قرارات رئيس الجمهورية، لا سيما وأن الحريري وفريقه المحيط به لم يكن يتوقع أن يتعامل عون، خلال أزمته مع السعودية، بالطريقة التي تعامل معها برفضه البتّ بالاستقالة، ورفضه تعيين موعد للاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد قبل عودة الحريري، وهو ما شكّل حماية له. يذهب هؤلاء إلى اعتبار أن المشكلة هي بين الحزب وبري، إذ أن الحزب كثيراً ما يُساير رئيس الجمهورية في ملفات داخلية مقابل الغطاء السياسي والرسمي الذي يوفره لسلاحه وانخراطه في صراعات المنطقة، ليكتشف لاحقاً أن موقفه سبّب اعتراضاً لدى بري وتمظهر أزمة بين الرئاستين الأولى والثانية، فيعاود الحزب العمل على إيجاد حلول وصيغ للتعايش.

في المحصلة، قاعدة «الترويكا الذهبية» هي التي تحكم شؤون إدارة الدولة. والدعوة الدولية لكل الأطراف اللبنانية إلى التطبيق الملموس لسياسة «النأي بالنفس»، في ما يتعلق بأي صراعات خارجية كأولوية مهمة، تشكل الغطاء الدولي للحفاظ على «الستاتيكو» الراهن لبنانياً، انطلاقاً من التسليم بأن مسألة حل سلاح «حزب الله» ليست لبنانية، بل إقليمية ودولية بامتياز، ولا تمثل الدعوة إلى استئناف المناقشات من أجل التوصل إلى إجماع حول استراتيجية الدفاع الوطني سوى محاولات لتقطيع الوقت من جهة، ولإيجاد صيغ لبنانية مستقبلية حين يأتي أوان التعامل مع مشكلة السلاح غير الشرعي.

فكل الكلام عن أهمية تطبيق التعهدات السابقة التي تقضي بضرورة عدم وجود أسلحة لا تخضع لسلطة الدولة، وأن القوات المسلحة اللبنانية هي القوات المسلحة الشرعية الوحيدة في لبنان، وفق المنصوص عليه في الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وأهمية تطبيق القرارين 1559 و1701 هو في حد ذاته ربط نزاع دولي حول لبنان، ما دام المجتمع الدولي لا يتحرك عملياً من أجل وضع تلك القرارات موضع التنفيذ.

وإلى أن يدخل لبنان مدار الحسم لتنفيذ القرارات الدولية، فإن السلطة الحاكمة عازمة على حصر مهمتها في الحفاظ على مواقعها وقوتها ووزنها في المعادلة السياسية، حيث ستكون الانتخابات النيابية امتحاناً فعلياً لها. اهتمامات تلك القوى اليوم لا تتعدى مدار الانتخابات، وعينها على التحالفات التي من شأنها أن تؤمّن لها حصة نيابية أكبر مع القانون الجديد الذي يفرض قواعد مختلفة في العمل الانتخابي عن الانتخابات السابقة.

فالانتخابات المقبلة لن تشهد اصطفافاً بين قوى الثامن والرابع من آذار. الأوراق اختلطت ليس فقط بفعل التسوية، بل أيضاً بفعل القانون النسبي الذي تقوم النقطة المحورية فيه على قدرة المتحالفين، ضمن اللائحة الواحدة، على تحفيز الناخب للذهاب إلى صندوق الاقتراع والتصويت لصالحها من أجل رفع الحاصل الانتخابي لحصد النسبة الأكبر، فيما توزيع الصوت التفضيلي يعود إلى مدى تنظيم الماكينات الانتخابية في مراكز الانتخابات. أما القول بأن الانتخابات النيابية ستأتي بأكثرية برلمانية لـ«حزب الله» وحلفائه، فلا تُعيره «أوساط مستقبلية» الأهمية لأنها تعتبر أن تجربة الحكم في لبنان أظهرت أن الكلمة الفصل تعود إلى التوافقات، وليس إلى الأكثرية البرلمانية!