مهما كانت الاسباب التي أدّت الى التطورات الدراماتيكية التي شهدها لبنان اول من امس والتي اكّدت على ان لبنان لا يُحكم إلاّ بـ«التوافق الوطني»، و»التوازن السياسي»، و»الديموقراطية السياسية»، لأنه «لبنان الميثاقية الوطنية»: «لبنان الواحد لا اللبنانان»، «لبنان الوطن النهائي لجميع ابنائه من دون اي اهواء إيديولوجية»، ولـ«لبنان الكبير» بحدوده المعترف بها دولياً، ولـ«الاعلان الدستوري» الصادر بتاريخ ٢١-٩-١٩٩٠، ولـ»إعلان بعبدا» ٢٠١٢، ولـ»دولة القانون» صاحبة القرار النهائي السيادي، من دون مزاحمة «السلطة السياسية» من قبل عناصر تملك القوة الفعلية على الأرض، ولا تملك «الشرعية» لـ»الدولة صاحبة الشرعية» على «قوتها الفعلية» او «شرعيتها الدستورية» بهدف إظهار «الدولة» بمظهر الفاقد لهذه «القوة» او بمظهر «الدولة الفاشلة»..
ما حدث امس هو انتصار لـ»لبنان – الرسالة الحضارية» التي تتحدث بالمفهوم العام «نحن»، وليس بالمفهوم السائد الآن بين «البعض» الـ»أنا» اللاحضارية، واللاوطنية، و»الطائفية» و»المذهبية» بامتياز!!
ما حدث اول من امس كان «حركة تصحيحية» ولو بعد «١٧٠٦» أيام على «إنقلاب ١٨ شباط ٢٠١٣» ضد «الشرعية الدستورية» حينها، وضد «الميثاقية الوطنية» وضد «القانون الدستوري» الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠ والناظم لـ»حكم التوازن السياسي» في «المشهد السياسي اللبناني» في اطار «دولة المواطنة» وهي ذاتها «دولة القانون» التي اللبنانيون متعددين فيها بالدين، متحدين في المواطنة.. هذا الانقلاب الذي طيّر يومها الإنتخابات النيابية والرئاسية..!!!
لقد حاول «بعض ١٨ شباط»، ان يرجعوا عقارب «الساعة اللبنانية» الى الوراء، الى الثلاثينات من القرن الماضي، (حينما اثار «البعض» من اللبنانيين آنذاك بهدف الحفاظ على «وجودهم» في «الصورة السياسية» ذلك المزج الخاطئ بين ما أسموه «النزعة اللبنانية والمسيحية» او «المصلحة المسيحية» من جهة، وبين ما اسموه «العروبة والإسلام» او «المصلحة الإسلامية» من جهة اخرى. وكان هذا «البعض» في الماضي، كما هو حالهم اليوم، يبرزون هذا «الوهم» ويستنفرون له العصبية الطائفية، والمذهبية والمناطقية، كلما احتاجوا الى هذا «الوهم» لخدمة مصالح الشخصانية..!
لقد حاول «بعض ١٨ شباط» منذ «إنقلاب ١٨ شباط ٢٠١٣» في المجلس النيابي، ان يُبرز «الوهم الطائفي» الذي أشرت إليه، والذي استنسخوه من الماضي السحيق ايام القائمقاميتان ١٨٤٢ – ١٨٦٠ او «نظام المقاطعجية» (امراء الطوائف حالياً)، و»نظام المتصرفية» ١٨٦١، كما استنسخوها من ثلاثينات القرن الـ»٢٠» الماضي بهدف استنفار -كما ظن ويظن- «المسيحيين» عموماً، و»الموارنة» خصوصاً، مصوراً ذاته «الناطق الرسمي» الوحيد بإسمهم!.. زاعماً كان كان يوهم ذاته، ويوهم من أيده من تياره فقط، انه سيسترجع لهم ما اسماه زوراً بـ»حقوقهم المغتصبة من «الطائفة السنّية». بمشروعه السياسي القائم على «الفرز الطائفي البغيض»، كل ذلك من اجل مصالح شخصانية لم تقرها المراجع الدينية المسيحية، التي كانت حريصة ولا تزال، ان يبقى «لبنان كبيراً» ليقوم بـ»رسالته الحضارية» في الحفاظ على «العيش المشترك» في محيطه المتأزّم بـ«المتغيرات الإقليمية الكبرى» و»الصراعات الدولية» التي هي أبعد بخطورتها عمّا كانت عليه بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية…
وفي هذا السياق اشير الى ما كانت صحيفة «النيويورك تايمز» قد نصحت عبره في اوائل تموز ١٩٧٨ «البعض اللبناني» الى «الإعتدال» قبل ان يجد هذا البعض نفسه «بحسبها» «مضطراً الى اتخاذ قرارات اكثر صعوبة، واكثر ألماً، حين يجدون انفسهم -اي هذا البعض- ان اسلوبهم اوصلهم الى طريق مسدود»… واضافت «وقد يكون خلاص لبنان في تحوّل ميزان القوة بإتجاه المسيحيين المعتدلين، لأن على اللبنانيين ان يوفروا لأنفسهم الإستقرار، لأنه ليس هناك اي فريق في لبنان سيستفيد من إنعدام الإستقرار»..!
من هنا نقرأ هذا الزخم الوطني الذي تحقق اول من أمس حول «الميثاقية الوطنية»، و«الاعلان الدستوري» الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠، و»الهروب الكبير» عن «بعض ١٨ شباط ٢٠١٣» بعد إنكشاف «لعبتهم» في «الإنقلاب» على «لبنان – الرسالة».. «لبنان الدولة»..
كما إنقلبوا على «إعلان بعبدا» سابقاً، لأن صاحبه «الرئيس العماد ميشال سليمان» اكّد في ١-٨-٢٠١٢ في الذكرى الـ٦٧ لتأسيس «الجيش اللبناني» بأن «لا شراكة مع الجيش والقوى الشرعية الرسمية في الأمن والسيادة، والتصرف بعناصر القوة التي هي من حق الدولة، ولا للسلاح المنتشر عشوائياً في انحاء البلاد، ولا للضغط على الزناد من اجل مصالح خارجة عن مصالح الدولة في الإجماع الوطني»..
قلت من عام «عودوا وطبّقوا إعلان بعبدا» قبل «فوات الأوان.. ولكن انقلبوا ومحو اعلان بعبدا».. وها هو «لبنان الكبير» يدخل معهم في «نفق الخطر المصيري» الذي لم يدخله من قبل لا عام ١٩٧٠ ولا عام ٢٠٠٦..
يحيى أحمد الكعكي