الحديث عن “تسوية شاملة” تحدث عنها الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله تتضمن الرئاسة والحكومة والانتخابات النيابية المقبلة، ولاقاه الى الترحيب بها مجمل القوى السياسية وفي مقدمهم رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، لافتا الى ان المدخل الطبيعي الى كل تسوية يكون بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو امر مشجع لاعادة اطلاق دورة حوار وطني مجدية، فضلا عن اسهامها ربما في اخراج الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” من مراوحته ورتابته وروتينيته. فالظرف قد يكون مؤاتياً لتحريك الوضع السياسي في اتجاهات ايجابية تسهم في حماية البلاد من تقلبات المرحلة الاقليمية البالغة الدقة، وخصوصا بعدما اختلطت الاوراق اثر العدوان الروسي على سوريا، ثم موجة تفجيرات الطائرة الروسية، فالضاحية الجنوبية لبيروت، وباريس. وعلى الرغم من بروز ملامح لقيام تفاهمات كبيرة حول كيفية محاربة تنظيم “داعش” بين روسيا من جهة والعالم الغربي من جهة اخرى، فإن الخلافات لا تزال عميقة بشأن كيفية مقاربة الازمة السورية والحل فيها. واذا كانت موسكو سارعت الى استغلال هجمات باريس لتكثيف عملياتها العسكرية في سوريا تحت عنوان ضرب “داعش”، فإنها لم تظهر حتى الآن أي تغيير في مقاربتها الفظة للازمة ككل، ولا تزال تواصل تكثيف عدوانها على الفصائل السورية المعارضة بنسبة اكبر من “داعش”، ولذلك فإن التضامن الذي برز غداة هجمات باريس لن يلبث ان يتلاشى بعد ان يتبين ان موسكو متمسكة بخطتها الاساسية القاضية بتدمير كل القوى المعارضة لنظام بشار الاسد بالتنسيق مع ايران. هذا الواقع سيقضي على كل امكان لبناء سياسة دولية موحدة بإزاء الازمة في سوريا.
عودة الى لبنان. فموقف نصرالله مشجع، وإن يكن كلاماً عمومياً. لكن تفجيرات الضاحية الجنوبية الاخيرة والتضامن الوطني العريض الذي شهده لبنان يحتاج الى ان تصونه خطوات سياسية حقيقية تتجاوز المواقف اللفظية المرحلية. فسلة التسوية التي تحدث عنها نصرالله لا بد من ان تبحث على قاعدة تقديم اتمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية على ما عداه. يمكن الاتفاق على كل شيء، أي الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، لكن الاساس اتمام انتخاب الرئيس الجديد باعتبار انه يشكل المدخل لأي تسوية معقولة في البلاد. ففي غياب التوافق على موضوعي سلاح “حزب الله” غير الشرعي، وتورط الحزب الدموي في سوريا، لا بد من رزمة تسويات حقيقية حول الملفات الاخرى.
تأسيساً على ما تقدم، فإن التسوية المرحلية ممكنة على قاعدة ان الرئاسة الاولى هي اولية، والتوافق على اسم الرئيس الجديد اساسه مرشح تسوية توافقي يقف في الوسط بين خطين متعارضين في البلد. معنى هذا تنحي مرشحي التحدي الظاهرين والمستترين، ومن بعده الاتفاق على قيام حكومة ائتلافية جديدة، ثم صياغة قانون انتخاب مرحلي يأخذ في الاعتبار وجود سلاح غير شرعي في البلاد، فضلا عن انقسامات عمودية سياسية وطائفية.