IMLebanon

لبنان، العراق، والبقية:  فشل نموذج اللبننة

شعار العراق الجديد الذي جرى رفعه بعد الغزو الأميركي وحلّ الجيش واسقاط الدولة، لا فقط النظام، كان خداعاً للنفس والآخرين. فالعراق الذي تركته أميركا بعد الانسحاب، وأمسكت به ايران، ولعبت فيه تركيا ودول عربية، وأداره نوري المالكي بتفاهم أميركي – ايراني، ليس مجرد دولة فاشلة. وهو مرّ بنوعين من اللبننة سلبي وايجابي، حسب القواميس الاقليمية والدولية: حرب أهلية لها وجوه وأبعاد خارجية متعددة، وتسوية على أساس المحاصصة السياسية طائفياً ومذهبياً. وكما في لبنان كذلك في العراق: كثير من الخيوط تربط بين المعنى السلبي والمعنى الايجابي. وتجارب تؤكد ان الفساد المالي هو الوجه الآخر للمحاصصة السياسية الطائفية والمذهبية.

ذلك أن الحد الأدنى الذي جرى رصده للانفاق في العراق خلال ثماني سنوات من حكم نوري المالكي هو ثمانمئة مليار دولار. بعضه على جيش انهار في الموصل وهرب في الرمادي وضم عشرات الألوف من الفضائيين أي الأسماء الوهمية التي لها رواتب. وبعضه الآخر على مشاريع عادية ورواتب ومخصصات. ومعظمه ذهب الى الحسابات الخاصة للنافذين في المصارف الخارجية. وعندما نزل العراقيون مؤخراً الى الشوارع، فان ما طالبوا به هو الخدمات من كهرباء وماء واغاثة مهجرين. وما ارتفع في الأجواء كصرخة واحدة هو: الدعوة الى محاسبة سارقي أموال الشعب الذي اكتشف ان الخزانة فارغة في بلده الغني بكل شيء.

ولم يكن امام رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي حصل على غطاء المرجعية الدينية في النجف سوى القيام بخطوة جريئة في مواجهة المحاصصة والفساد: الغاء مناصب النواب الثلاثة لرئيس الجمهورية والنواب الثلاثة لرئيس الحكومة. ولا أحد يعرف الى أين يستطيع العبادي الوصول بعد الخطوة الأولى. لكن الكل يعرف ان مشكلة العراق اكبر بكثير من الفساد. فلا حل في العراق الا بقيام دولة مدنية ديمقراطية على اساس المواطنة. وليس من السهل اقامة مثل هذه الدولة بالاتكال على المرجعيات الدينية.

والواقع ان المحاصصة السياسية الطائفية والمذهبية والاتنية هي وصفة للفشل في اقامة دولة وفي تقديم الحد الادنى من الخدمات للناس والحؤول دون اندفاع المسؤولين نحو الحد الاقصى من سرقة المال العام. فالفشل كبير في لبنان حتى في موضوع عادي مثل جمع الزبالة. وليس من حسن الحظ لشعوب سوريا والعراق واليمن وليبيا ان تكون المحاصصة على الطريق اللبنانية هي النموذج الذي يراد تعميمه على تلك البلدان كحل للخروج من الحروب. ولا شيء في مناخ المنطقة والقوى النافذة فيها يساعد على اقامة دول مدنية.