الطقس يغلي، والمعارك تغلي، والنشاطات الانتخابية تغلي، وكأن الاستحقاق على بعد اسابيع قليلة، وليس سنة تنقص شهرا، وفي هذه المرة الطويلة نسبيا، في منطقة كاملة تغلي، قد يقع محظور التمديد للمرة الرابعة، ويعاد احياء مجلس النواب، ويجدد النواب شبابهم، بحجة الظروف الامنية الداهمة، خصوصا اذا اجبر الجيش اللبناني على تنظيف الجرود الشرقية، لمنع مسلّحي «داعش» «والنصرة» من التمدد في الارض اللبنانية بعد هزيمتهم في سوريا والعراق، بما يعني ان لا شيء مضمونا من اليوم، وحتى ايار 2018، مهما اطلق من تطمينات، ومهما صفت نيّات اهل الحكم، هذا اذا استبعدنا قيام اسرائىل باعتداء على لبنان مستغلة «الفوضى الخلاّقة» التي تمزّق الدول العربية، وما يمكن ان يحصل في لبنان، من جراء هذا العدوان في حال حصوله.
ان افعل وافضل ما تقدم عليه القيادات السياسية في هذه الفترة المأزومة، هو ان تسلّم بأن خلاص لبنان يكون بتقوية الدولة، والاحتماء بمظلّتها الشرعية، سياسيا وامنيا وعسكريا، مستندة الى النصيحة التي لم تخذل يوماً احداً «عند تغيير الدول احفظ رأسك»، ولا تقحمه في نزاعات الآخرين وحروبهم، واذا كنّا اليوم نلمس صعوبات واعتبارات في مد يد المصالحة والاعتراف بالاخر، بين الاشخاص او الاحزاب او التيارات، فذلك يعود الى عدم قبول البعض سلطة الدولة، وبناء سلطات مستقلة، ومجرّد تسليم الجميع بالدولة وبمؤسساتها، تفتح الابواب فورا على المصالحات، لأنها عندئذ تكون منبثقة من ارادة لبنانية صافية غير مرتبطة بأي قوة خارج الوطن اللبناني، أكانت هذه القوة طائفة او مذهباً او ديناً او دولة.
***
يكثر الحديث هذه الايام، في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، عن نشاطات ومساع تبذل لتحويل تطبيع العلاقات بين حزب القوات اللبنانية وتيار المردة الى مصالحة كاملة وتعاون وربما الى تحالف انتخابي وغير انتخابي، كما ان هناك كلاما كثيرا عن تعاون وزراء القوات اللبنانية ووزراء حزب الله ووزير تيار المردة، في ملفات كثيرة لها علاقة بالمواطنين والدولة والمؤسسات، ولكن الذي يمنع من تطوير هذا التعاون الى تفاهم اوسع لضمان قوة الدولة، هو انخراط تيار المردة وحزب الله، في حلف ما يسمى «دول الممانعة»، وبعد تصريح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاخير حول استعداد مئات ألوف المقاتلين من خارج لبنان لمحاربة اسرائىل من لبنان، يصبح اسم الحلف «دول وشعوب الممانعة» ولذلك لا يمكن للعلاقة ان تنمو وتكبر وتستمر بين احزاب لبنانية مثل القوات اللبنانية والكتائب، والوطنيين الاحرار، وتيار المستقبل، وحتى الحزب الاشتراكي، طالما ان مصلحة لبنان، ومصلحة الدولة اللبنانية وشعب لبنان، ليست اولوية في مفهوم احزاب وتيارات، مثل الحزب السوري القومي وحزب البعث، وحزب الله، وتيار المردة، وحركة امل، وغيرها من الاحزاب والتيارات.
هناك تصدّع بنيوي في حياة لبنان السياسية بسبب خلاف استراتيجي في نظرة فريق الى لبنان، على انه وطن مرحلي، وفريق اخر يؤمن بأنه وطن نهائي في حدوده الحالية، وفي هويته اللبنانية العربية، وهذان المفهومان، خطّان متوازيان، لا يمكن ان يلتقيا ابدا.