كلّ هذه الدّيون التي يرزح لبنان تحت ثقلها، سببها «وهم السّلام» الذي صدّقه لبنان، وبُنيت على أساسه أوهام الاستدانة على أساس أنّ السلام آتٍ على المنطقة خلال سنوات خمس لولا «كم متر» من بحيرة طبريّة تبخروا بفعل الشمس واغتيال إسحاق رابين، التي عرقلت المفاوضات، وللحقيقة لم يكن هناك حلّ إلا الاستدانة، يُشبه ما يعيشه اللبنانيّون الأزمة التي عاشوها ما بين الأعوام 1993 و 1996 عندما تعطّلت الدورة الإقتصاديّة وتجمّد معها حال البلد!
«الواقعية»، هي القاعدة الأولى في السياسة، وما سقناه في هذا الهامش «واقعي» جدّاً، الآمال الكاذبة لا تنفع المشرف على الموت فيما الطبيب يضحك عليه ويمنّيه بالعمر الطويل! في العام 1993 كان العنوان الكبير الذي رفعه الرئيس رفيق الحريري مع مجيئه إلى الحكومة كان «الإصلاح»، وبالكاد بدأ بمحاولة تنفيذ مجموعة أصلاح لدولة مهترئة، في ألف مزراب لهدر وسرقة أموال الدولة ومواردها، بعد أشهر توقفت هذه العمليّة التي عملت عنوان «التطهير»، وأنّ الخلاصة التي وصل إليها الحريري الأب، أنّ الإصلاح مستحيل في بلد طائفي، وقدّم تنازلات كبرى ليسمح له بإعادة الإعمار، الطوائف تحمي زبانيتها في كلّ الإدارات، وهذه «حفرة» عميقة جداً لا حدود لقاعها… فمن سيجرؤ على الاقتراب ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ من وزارة الطاقة وملفاتها وبواخرها، ملفّ الكهرباء استنزف الخزينة، كلّ الحكومات التي تعاقبت على لبنان منذ ما بعد الطائف كانت عاجزة عن القيام بأي إصلاح، أساساً هذه الدولة بناء «مفوخر» اهترأت أساساته ولم يعد معه الترقيع والتدعيم!
الوضع في لبنان مأزوم، إقتصاديّاً نحن على حافّة الهاوية، ليس في البلد دورة إقتصاديّة، وعلى لسان اللبنانيّين جملة واحدة «ما في مصاري بالبلد»، والأمور ذاهبة إلى تفاقم، خصوصاً أنّ آمالاً وهمية توضع أمام اللبنانيّين، فيما سياسيّاً يفرض واقع المنطقة نفسه فلبنان ما يزال أسير الستاتيكو الجديد، ومن لا يريد أن يرى هذا الستاتيكو فهذا شأنه!
لا يحتاج اللبناني لا إلى تقارير إخباريّة ولا تحليلات ولا تطمينات مصرفيّة ولا لإثارة قلقه ومخاوفه ولا لطمأنته وبثّ التفاؤل من حوله، اللبناني «ابن سوق»، الدورة الاقتصاديّة ماتت فماذا أنتم فاعلون؟
من المؤسف أيضاً، أنّه حتى اليوم لم يكلّف مسؤول واحد منهم أن يتحمّل مسؤولياته وخاطب الشعب اللبناني شارحاً الواقع الصعب والسّبل المتاحة لمعالجته، وما هي الخطوات والخطط التي علينا التزامها لنخرج من هذه الأزمة، فالارتجال الهزيل لم يعد يجدي!!
منذ تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم يدفع اللبنانيّون أثماناً باهظة لتصديق الحكومات المتعاقبة في ذاك الوقت وهم مؤتمر مدريد للسّلام، وتصرّفوا على هذا الأساس، حتى اصطدموا بحقيقة أنّ إسرائيل والمتطرفين فيها لن يقبلوا بأي سلام، حتى جاء العام 2000 وانسحبت إسرائيل من لبنان من طرف واحد، سحبت ورقة لبنان من اليد السورية التي كانت تضغط بحزب الله على إسرائيل، عندما استوعبت الدولة اللبنانيّة ما يحدث كانت إيران قد أصبحت في حضن المنطقة ممسكة بتلابيب العراق، وحتى يكتمل المشهد جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري تكريساً لسيطرة إيران على لبنان والعراق وسوريا، واليوم إيران متمكنة أكثر من أي وقت مضى، متمكّنة إلى حدّ قصفت فيه منشآت أرامكو النفطية في بقيق وخريص ولم تجرؤ أي دولة من دول الخليج، ولا حتى المملكة العربية السعودية، أن تقول لإيران «يا محلى الكحل بعينك»!