أن يكون الوضع اللبناني مضبوطاً على إيقاع الخارج، ليس أمراً جديداً على اللبنانيين، ولكن أن يكون هذا الملف خارج الرادار الدولي الذي لا يلتقط على شاشاته إلا الوضع الإقليمي المشتعل، فهذا مؤشر مثير للقلق والريبة من الانعكاسات التي يرتبها مثل هذا الإغفال الدولي للملف الداخلي.
لا تخفي مراجع سياسية بارزة قلقها مما آلت اليه حال البلاد من تردٍ واسع على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، في ظل إنكار كلي لما يرتبه الانحدار في الحياة السياسية وفي العمل المؤسساتي على البلاد.
لا تنفي المراجع تصنيف لبنان في آخر سلم الأولويات الدولية المنشغلة أساساً بإعادة رسم المنطقة وبلورة خريطتها الجديدة، لكنها في المقابل، لا تقلل من أهمية التحذيرات التي يتلقاها لبنان يومياً من المسؤولين الدوليين والأمميين حيال الأخطار الكبيرة التي تتهدد البلاد من جراء الأوضاع المشتعلة في المنطقة وإرتدادات الأزمة السورية المتفاعلة على الساحة اللبنانية، مشيرة الى انه لا يمكن القوى السياسية الاستمرار في تسليم الوضع الداخلي الى الخارج والبقاء مكتوفة وعدم تحمل مسؤولياتها لمنع الانهيار ولملمة الوضع ومعالجة مكامن الضعف والاهتراء، في انتظار ما ستحمله التسوية الكبرى للمنطقة بما فيها لبنان.
وفي هذا السياق، لا تخفي المراجع ما كشفته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ خلال جولتها الأخيرة على مجموعة من القيادات الرسمية والسياسية، اذ دعت هؤلاء الى التيقظ والتعامل بجدية مع الاخطار المترتبة على النزوح السوري، كاشفة عن الأسباب التي ترفع منسوب القلق لدى الامم المتحدة، والمرتبطة في شكل أساسي بالاستخفاف الداخلي بتداعيات الوضع الإقليمي على لبنان.
وليس بعيداً من هذا المناخ، يزور لبنان منتصف هذا الأسبوع نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا حافظ غانم بعد تسلّمه اخيراً مهماته في البنك، في زيارة استطلاع يستكشف فيها مجالات المساعدة المتاحة أمام البنك الدولي في ملف اللاجئين السوريين.
والمعلوم أن آخر نشاط أممي في شأن ملف اللاجئين حصل في الكويت التي استضافت المؤتمر الدولي لدعم اللاجئين والدول المضيفة. وعلى أهمية الدعم غير المسبوق الذي أقر في الكويت وبلغ ٣,٨ مليارات دولار، إلا أن آليات صرف الأموال وأوجه إنفاقها لا تزال قيد الإعداد، فضلاً عن ان المستفيدين حتى الآن من الدعم الدولي هم السوريون اللاجئون وليست المجتمعات المضيفة.
تسلّم المراجع البارزة بعدم قدرة أي فريق حالياً على قلب الحكومة التي تشكل آخر مدماك في الحياة الدستورية، بعدما تعطلت رئاسة الجمهورية بفعل الشغور، وشُلّ المجلس النيابي بفعل التعطيل المبرمج، تارة تحت عنوان تعطيل انتخاب رئيس جمهورية وطوراً تحت عنوان عدم إجازة التشريع في غياب الرئيس.
ولكن ما الذي يمنع العمل على معالجة بعض الملفات الحيوية التي تعنى بحياة الناس وتعطي الخارج إشارات جدية عن جهوز لبنان عندما يحتاج مسؤولوه للجلوس الى طاولة التسويات؟
سؤال طرحته المراجع، مشيرة الى ان ثمة الكثير مما يمكن إنجازه في الوقت الضائع بما يحمي المؤسسات ويعزز دورها في خدمة المواطنين، مثل ملفات الكهرباء او الموازنة او سلسلة الرتب والرواتب، مذكرة بأن لبنان بات يرزح تحت دين عام يبلغ ٧٠ مليار دولار من دون ان يرف لمسؤول جفن. وليس ثمة من يتنبه انه لم يعد للبنان طوق نجاة يتكىء عليه في ظل الانشغال الدولي بملفات المنطقة. حتى أن بلداً مثل اليونان الذي يتكىء على الاتحاد الأوروبي وعملة قوية، عجز عن الصمود.
وأمام الإيغال المستفحل في الإهمال، ترى المراجع ان لبنان بات أمام شرين: شر اجتماعي-سياسي وشر إقتصادي – سياسي، وأيا يكن الخيار الذي سيمضي اليه لبنان مرغماً، فهو لن يقيه التداعيات، إقتصاديا واجتماعياً ومالياً.