IMLebanon

لبنان «ساحة» إيرانية ام لا؟

 

 

ثمة حاجة الى تبسيط للامور في لبنان وذلك تلافيا لاضاعة مزيد من الوقت. لا يعمل الوقت لمصلحة لبنان في ضوء الخطورة التي تشكّلها الازمة الاقتصادية. من هذا المنطلق، يبدو من المفيد ملاحظة ان النظام المصرفي اللبناني، الذي كان خط الدفاع الاوّل عن لبنان ودوره واقتصاده، فقد مقوماته بعد الاجراءات الأخيرة المتخذة والتي حدت من قدرة المواطن على استعادة أمواله الموجودة في المصارف ساعة يشاء وبالطريقة التي يشاء، أي بتحويلها الى مكان آخر في حال كان ذلك في مصلحته. من هو المواطن العربي او الاجنبي وحتّى اللبناني الذي سيجازف بعد اليوم في إيداع أمواله في احد المصارف اللبنانية في لبنان، أي في مكان كان في الماضي ملاذا آمنا للفقير والغنيّ في آن؟

 

هناك علّة من علل وجود لبنان لم تعد موجودة في ضوء الضربة التي تلقاها النظام المصرفي مع فرض القيود على تحريك الاموال المودعة في المصارف. يكشف ذلك عمق الازمة التي يمرّ فيها البلد، وهي ازمة يبدو واضحا انّ خطابا من النوع الذي القاه رئيس الجمهورية ميشال عون عشية الذكرى الـ 76 للاستقلال تجاهلها كلّيا. فضلا عن ذلك، اثبت الخطاب عجزا عن فهم تعقيدات المرحلة وضرورة الانتقال في التفكير الى درجة اعلى، أي الى التفكير في ما اذا كان هناك مجال للبحث عن مخرج من الازمة المستفحلة بعيدا عن عقد الماضي، بما في ذلك عقدة رفيق الحريري التي تتحكّم بكلّ شخص ينتمي الى «التيّار الوطني الحر» الذي بات يرأسه جبران باسيل.

 

تميّز خطاب رئيس الجمهورية بتجاهل الأسباب التي أدت الى الازمة الاقتصادية، على الرغم من تركيزه على الفساد. الكلام عن الفساد ليس في محلّه. هذا يعود الى سبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في انّ الفساد صار ظاهرة عامة في البلد وذلك منذ  تكريس نظام المحاصصة الذي يعمل بغطاء من «حزب الله» الذي لا يهمّه سوى ان يكون لبنان ورقة إيرانية لا اكثر. هذا هو العنصر الاهمّ الذي تجاهله رئيس الجمهورية في خطاب الاستقلال. انّه تجاهل يؤكّد كلّ المخاوف المبنية على ان العهد القائم منذ الواحد والثلاثين من تشرين الاوّل – أكتوبر من العام 2016، تاريخ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية هو «عهد حزب الله» لا اكثر.

 

لا يمكن لعهد من هذا النوع ان يدافع عن مصالح لبنان واللبنانيين. مثل هذا العهد الذي يرفض استيعاب معنى الثورة الشعبية التي اندلعت في السابع عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي وابعادها لا يستطيع إيجاد أي حلّ لايّ مشكلة. في النهاية، كيف يمكن لعهد تسلّم اشخاص ينتمون اليه وزارة الطاقة منذ العام 2008، تبرير وضع الكهرباء في لبنان؟ يكلّف هذا القطاع الدولة اللبنانية ملياري دولار في السنة ويمكن لاصلاحه سد قسم من العجز اللبناني. هل من فساد اكبر من فساد الكهرباء؟ ثمة من سيقول ان هناك قطاعات أخرى انتشر فيها الفساد، لكنّ الواقع الذي لا يمكن تجاهله في ايّ وقت ان «التيار العوني» الذي يسيطر على قطاع الكهرباء منذ ما يزيد على عشر سنوات يعمل بغطاء من «حزب الله» الذي لا يهمّه ما الذي يمكن ان يحلّ بلبنان ما دام البلد «ساحة» إيرانية.

 

لبنان «ساحة» إيرانية ام لا؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه الآن. هذا هو السؤال الذي لم يجب عنه رئيس الجمهورية في خطاب الاستقلال الذي تجاهل كون اللبنانيين يعرفون جيّدا ما الذي يريدونه. انّهم يريدون الانتهاء من «عهد حزب اللّه» الذي جلب العقوبات الاميركية على المصارف اللبنانية والذي عزل لبنان عن محيطه العربي.

 

يحتاج لبنان من اجل الخروج من ازمته الى معجزة. مؤسف انّ ليس في الإمكان الرهان على العهد الحالي لتحقيق المعجزة لسببين على الاقلّ، اولهما ان ليس هناك من يمتلك شجاعة التفكير مليّا في العلاقة بين الازمة الاقتصادية من جهة وهيمنة «حزب الله» على القرار اللبناني، بما في ذلك اختيار من يكون رئيس الجمهورية وكيف تشكّل الحكومة من جهة أخرى. امّا السبب الثاني، الذي يجعل المعجزة مع وجود هذا العهد مستحيلة، فهو عائد الى انّه لا يمكن الفصل بايّ شكل بين تركيبة العهد و»حزب الله».

 

بكلام آخر، لم يصل «حزب الله» الى ما وصل اليه في لبنان، بعد الواحد والثلاثين من تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 كي يعود الى خلف ويقبل بحكومة تضمّ وزراء اختصاصيين برئاسة سعد الحريري او بشخصية تتمتّع بمزاياه. لا يوجد، الى اشعار آخر بديل من الحريري بين السنّة عندما يتعلّق الامر بفتح قنوات عربية او باجراء حوار مثمر مع الإدارة الاميركية وكبار المسؤولين الاوربيين المهتمّين بالوضع اللبناني. اكثر من ذلك، لا وجود لايّ استعداد أميركي او عربي، والمعني بكلمة العربي الدول الفاعلة التي تستطيع مساعدة لبنان، للتعاطي مع حكومة لبنانية تضمّ وزراء لـ»حزب الله».

 

لا يستطيع عاقل تجاهل انّ «حزب الله» موجود في لبنان. لكنّ هذا العاقل لا يستطيع أيضا تجاهل انّ الاقتصاد اللبناني يهمّ كلّ اللبنانيين وان الودائع التي في المصارف هي لكلّ اللبنانيين، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية التي يدّعي «حزب الله» انّه وضع يده عليها. في حال تعرّض القطاع المصرفي لايّ سوء، لن يكون هناك تمييز بين لبناني وآخر بغضّ النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها هذا اللبناني.

 

تعود صعوبة الوضع اللبناني الى ان «عهد حزب الله» لا يستطيع الانقلاب على نفسه. تحتاج المعجزة الى رجال وسياسيين من نوع آخر، رجال يتعاطون مع الوضع ببرودة وموضوعية وتجرّد بعيدا عن أوهام من نوع ان الغاز والنفط اللبنانيين سيستخرجان غدا. يقول الذين لديهم خبرة في مجال النفط والغاز ان لا غاز سيظهر قبل السنة 2029… في احسن الأحوال.

 

يتجه لبنان الى كارثة، على الرغم من الآمال الكبيرة التي اثارتها الثورة الشعبية، وهي ثورة ما زالت في حاجة الى كتابة لائحة مطالب واضحة ومعقولة. هناك بصيص امل في نهاية النفق المظلم في حال الاقتناع بحكومة تضمّ اختصاصيين يعالجون الوضع الاقتصادي مستعينين باصدقاء لبنان في العالم. هؤلاء الأصدقاء لا يمكنهم التعاطي مع بلد فيه حكومة تضمّ وزراء من «حزب الله». هذا كلّ ما في الامر. هل يمكن لـ»عهد حزب الله» الانقلاب على نفسه والاقتناع بهذه المعادلة التي من دونها لا وجود لفسحة امل امام لبنان؟