Site icon IMLebanon

لبنان مُقبل على حياة سياسية من دون فراغ

الأحداث تترك بصماتها على الوجود اللبناني

لبنان مُقبل على حياة سياسية من دون فراغ

والشعب توّاق الى تحقيق الأحلام الكبار!

كان ذلك قبل نحو عشر سنوات. جلس جيفري فيلتمان في مكان أنيق، الى جوار نائب عريق، حلم ولا يزال، بأن يصبح رئيس جمهورية لبنان، ذات يوم ولو كان بعيدا.

طلب يومئذ طبقا من السمك مع الأرز، أوصى عليه مسبقا صاحب الدعوة، إلاّ أن رجلا تقدّم منهما وبادره بأن صاحب الدعوة لن يصل الى رئاسة البلاد، لأنه يعتقد ان الأميركان، وهو في مقدمتهم قادرون على ايصاله الى أحلامه الرئاسية.

ظلّ السفير الأميركي صامتا، لكن النائب سأل صديقه عن سبب مزاعمه، فردّ بأن حضرة النائب عامل نفسه أميركانيا، وفي الوقت نفسه راعيا للمصالح والمنافع المنافية لحقوق الشعب اللبناني.

القصة قديمة وطويلة، بعد سنوات انتقل السفير جيفري فيلتمان الى الولايات المتحدة، وهناك اجتذبه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، واختاره مساعدا سياسيا له.

قبل خمسة أيام، سمع اللبنانيون المستر جيف وهو اسم الدلع للديبلوماسي الأميركي يدعوهم الى اختصار شروطهم السياسية والاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية.

وقبل قرابة أسبوعين شاهد اللبنانيون النائب نفسه الذي استضاف المستر جيف في أحد المطاعم، على أمل ايصاله الى مقعد رئاسة الجمهورية، لكنه عاد خائبا بوعوده والأحلام. ذهب بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة الى بلاده في جنوب شرق آسيا، ولا يزال المستر جيف يعمل في خدمة الأمين العام الجديد للمنظمة الدولية. والقصة واضحة… معظم الأمناء العامين أمضوا دورتين في وظائفهم باستثناء الأمين العام المصري والعربي الذي خدم دورة واحدة وصرفوه من وظيفته، لأنه، عندما اعتدت اسرائيل على الجنوب، ودمّرت بلدة قانا على أبنائها، لم يرفّ للأميركان جفن أو استدعى منهم موقفا مغايرا للاعتداء الاسرائيلي.

قبل نحو أسبوعين، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشرات الوزراء والنواب في القصر الجمهوري في بعبدا، اضافة الى الوجوه الاعلامية والسياسية.

ماذا يريد المستر جيف الديبلوماسي الأميركي الذي يعمل في خدمة المنظمة الدولية؟

والجواب، انه يريد استمرار لبنان بلدا سياديا في محيطه، من خلال التوصل الى اتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية. وفي رأيه، انه بعد نجاح تجربة وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ينبغي للشعب اللبناني ترجمة ارادته الشاملة، في انتخابات مجلس نيابي جديد، عبر تمديد تقني أو من خلال توافق سياسي على رفض التمديد، كما هو شائع الآن وعدم الوقوع في الفراغ السياسي.

كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بارعا في تنفيذ صلاحياته الدستورية، عندما دعا للمرة الأولى الى تنفيذ الدستور.

والعماد عون وزّع كتابه على مدعويه هذا ما أؤمن به، وهو خلاصة حوار أجرته معه الكاتبة ديزيره صادق والصادر عن مؤسسة ميشال عون.

والحقيقة ان العماد عون، يبدو من طينة جديدة من السياسيين، مهّدت له الكاتبة بعبارات أنيقة: كانت الصورة سابقا محظورة، وها هي اليوم إلزامية تتصدّر المؤسسات الرسمية. لم يعد العنوان: عون رجع ليس فقط بأحرف خُطّت بعجل، على جدران بلد نفي منه، انما رئيسا في القصر، الذي أجبرته معادلة القوى على مغادرته. لقد خسر المعركة منذ ست وعشرين سنة، وها هو اليوم يربح المعركة الحقيقية الجنرال صار الرئيس، ولكنه يبقى لنا العماد. تقول ديزيره صادق التي التقته وطلبت منه التحدث عما يؤمن به، ضمن أسئلة وأجوبة، من دون تحضير مسبق، فوافق، تاركا أفكاره تنساب بحرية.

هل يستعيد العماد عون تجربة فؤاد شهاب، أم ان الموهبة تولد مع الانسان بالفطرة، ربما سألته ديزيره صادق، أي موهبة تميّزك؟ وأجابها: الرؤية من دون شك. يجب التمعّن في الفشل لتحويله نجاحا. الفشل في نظر الجنرال، هو عدم المحاولة، وليس عدم النجاح. ١٣ تشرين الأول يوم اطاحته واخراجه من القصر، هو التاريخ الأقسى في حياتي، حيث واجهت الخسارة والنفي. وطوال وجودي في فرنسا كنت على يقين بأنني عائد الى لبنان، وعدت، وربحت معركتي. عندما غادرت لبنان توجهت الى اللبنانيين بالقول: ان العمل الذي بدأوه لن ينتهي إلاّ بتحقيقه. أنا قررت ان أنجح، لأنني لا أؤمن بالفشل، الهزيمة غير موجودة في قاموسي.

ويقول العماد عون ان كل شيء يبدأ بحلم. هو نقطة انطلاق الى الانجازات وشعاري الدائم: حلم، إقدام، تمرّد.

أين هو رئيس الجمهورية؟

نحن الآن في مرحلة الحلم، وفيه مراحل كثيرة، ويلزمنا الكثير من الوقت لبلوغه.

لم ينف الجنرال اعجابه ب الجنرال ديغول.

سألته ديزيره صادق: لو قيّض لك أن تمحو من لبنان شيئا، فماذا تقول؟

وأجاب الجنرال: أنا مع التعددية الطائفية والسياسية والعرقية، لذا، لا أريد محو أي شيء منها. من الممكن محو السيّئ من تصرفات الناس. غير صحيح ان الفساد سببه النظام الطائفي، كما يدعي كثيرون، هناك شرفاء وهناك فاسدون في كل الطوائف. يجب فقط تطبيق القوانين والميثاق. لدينا قوانين الأكثر حداثة في العالم، ولكن، للأسف لا تطبّق.

سألته: هل رئيس الجمهورية اللبنانية قادر على تطبيق القانون؟

أجاب: اذا كان الرئيس مدعوما من الشعب، فانه سيفعل، وأنا من دون شك قادر، وسأفعل.

السؤال المطروح الآن: هل يولد قانون جديد للانتخابات النيابية، ويجري الانتخاب خلال ٣ أشهر، أو قبل أقل من سنة؟

الأكيد، ان لبنان ليس مقبلا على الفراغ بل متّجه الى انتخابات يسفر عنها مجلس نيابي جديد، تعلوه طبقة سياسية جديدة.

وهذا هو الأمل الكبير الذي يراود الشعب اللبناني من معظم المناطق والطوائف، ويحقق الأحلام الكبار للشعب التوّاق الى الحرية والسلامة.

قصة طويلة

القصة طويلة. لكنها مطلوبة، والقصة تعود الى عصر وزارة الخارجية. كان فؤاد بطرس قد وضع عينه عليها، لكن الرئيس فؤاد شهاب وضعها في عهدة فيليب تقلا بعد وفاة والده سليم تقلا. عهد بها بادئ الأمر الى الوزير هنري فرعون، لكنه استعادها بسرعة، وطوّبها حينا للوزير حميد فرنجيه وأحيانا للوزير فيليب نفسه. كان ادمون عبدالنور الطرابلسي العريق في نسبه وثقافته الاجتماعية يتّكئ على صديق فؤاد شهاب الرئيس الشهيد رشيد كرامي، لكنه سمع الوزير فؤاد بطرس يسأل فؤاد شهاب: لماذا كنت تثق بي، ولم تسند إليّ حقيبة الخارجية؟

وردّ فؤاد شهاب، لأن وزير الخارجية ينبغي له ان يمعن في معالجة القضايا الداخلية قبل الشؤون اللبنانية.

إلاّ ان فؤاد بطرس أصبح الوزير الدائم للخارجية في عهد الرئيس شارل حلو.

وهذه القضية تكرّرت في عهد الرئيس سليمان فرنجيه، يوم حاول رئيس مجلس النواب صبري حماده ألاّ يعلن فوز الرئيس الجديد، الحائز على نصف صوت اضافي على خصمه، فاتصل به، وطلب منه اعلان النتائج لأن مقتضيات النظام الديمقراطي، تبقى أكبر من اللعبة الانتخابية.

استقالت حكومة صائب سلام، وتألفت وزارة الرئيس تقي الدين الصلح، وتمّ اختيار الأستاذ فؤاد نفاع نائب كسروان – الفتوح في وزارة الخارجية، وقد غادر هذا الأخير الدنيا، قبل أسابيع قليلة، بعدما سبقه اليها الرئيس الكبير سليمان فرنجيه.

كان الرئيس فرنجيه، لا يكنّ ودّا للوزير هنري كيسنجر، وليست عنده نيّة في استقباله في بيروت، أو حتى في مروره على طريق مطار بيروت الدولي، إلاّ انه بعد إلحاح من رئيس الوزراء، الذي بادره بأنه يقوم ب تخويف رؤساء عرب ان هو أحجم عن استقباله. إلاّ ان الرئيس فرنجيه تجاوب مع الرئيس تقي الدين الصلح، وقبل بأن يستقبله في مطار رياق العسكري، لئلا يُقال انه قام يتخوين رئيس جمهورية سوريا ورئيس دولة مصر وعاهل السعودية، ووافق على استقباله في بلدة رياق المجاورة لمدينة زحله.

وهكذا، حلّت عقبة في وجه الرئيس سليمان فرنجيه والادارة الأميركية.

في آخر عهده، تعرّض القصر الجمهوري في بعبدا، للقصف العسكري من جيش لبنان العربي بقيادة الملازم الأول أحمد الخطيب، فاضطر الى نقل مكاتب القصر الجمهوري من بعبدا الى ذوق مكايل اعتقادا منه ان رئيس بلدية الذوق نهاد نوفل ١٩٦٣ – ٢٠١٣ قد جعل من المقر البلدي القريب من قصر نهاد بويز الكتلوي العريق، المكان اللائق لتسليم رئاسة الجمهورية في العام ١٩٧٦ لمن سيخلفه في رئاسة الجمهورية.

في ذلك الوقت، أرسل الرئيس الأميركي جيرالد فورد، موفده الى لبنان روبرت مورفي مع تعليمات صارمة بأن هنري كيسنجر هو أقوى من سواه بعد استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، والقصة وما فيها، ان نيكسون كان رئيسا قوي الشكيمة لكنه أخطأ عندما قال للأميركيين انه لم يكن يعلم بأن الادارة الأميركية كانت على علم بأن الحزب الجمهوري، كان يتجسس على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي في شارع ووترغيت، ثم تبيّن لاحقا انه ضالع في النجسس على مقر الحزب المناوئ له.

ولو قال انه كان يعرف قصة الاستقالة قد مرّت، ولم يكن نيكسون مضطرا الى الاستقالة مع ان معظم المعلومات في العام ١٩٧٣ كانت تجمع على انه رئيس شجاع يتحلّى بالحنكة والذكاء.

صحيح ان الرئيس بيل كلينتون تورّط بعلاقات جنسية مع مدرّبة في البيت الأبيض، إلاّ انه قال انه ارتكب حماقة جنسية مع السيدة ليونسكي، فمرّت القصة في سلام.

في آذار من العام ١٩٤٦، تفقّد وزير الدفاع الوطني مجيد ارسلان، يرافقه قائد الجيش فؤاد شهاب، للتعرّف على قضاتها الجدد. وكانت الحكومة اللبنانية قد تسلمت المحاكم العسكرية، وهذه قصة ثانية تروي أسرار المستقبل.

يومئذ حضر الاستقبال رئيس المحكمة العسكرية العقيد جان عزيز غازي والمدعي العام ميشال تلحمي، الى قاض عسكري فؤاد بطرس القاضي في محكمة التجارة المختلطة في بيروت أيضا.

بعد جولة على المكاتب، وجّه وزير الدفاع مجيد ارسلان لمستقبليه وهو يهمّ بالمغادرة: تأتيني أحيانا أخبار عن موقوفين أوقفوا ظلما. ماذا عليّ ان أفعل كي أتدخّل.

لم يجب رئيس المحكمة العسكرية ولا المدعي العام. ردّ فؤاد بطرس: معالي الوزير، لا تستطيع ان تفعل شيئا.

فوجىء، وهو يسمعه: يمكنك لفت نظر المدعي العام الى الأمر، وهو يرى في حالة امتناعه ان يخلى الموقوف، ثم يكون القرار لقاضي التحقيق.

قال الوزير: أي انت وأجاب فؤاد بطرس: نعم.

سأله وزير الدفاع: ألا تستطيع التحدث اليك مباشرة؟

ردّ: بحسب الأصول، لا. لأنني قاض جالس. واذا فعلت تكون تتداخل في القضاء. وتخلّ بمبدأ فصل السلطات. لذلك، يتعيّن عليكم التكلم مع النيابة العامة وليس معي أنا.

لم يسرّ الجواب وزير الدفاع الوطني، بينما لزم قائد الجيش، وقد أصغى مليا الى هذا الحوار غير المألوف في علاقات المسؤولين بمرؤوسيهم الصمت مع ابتسامة رضا، ودوّن اسم القاضي في دفتره الصغير.

بعد ١٣ عاما التقى فؤاد شهاب فؤاد بطرس للمرة الثانية، عندما تردد اسمه وزيرا محتملا لدخول حكومة رشيد كرامي عام ١٩٥٩ على ان استقال الوزير ريمون اده من الحكومة الرباعية، الذي أوجب على رئيس الجمهورية فؤاد شهاب البحث عن وجوه بارزة. كان اسم فؤاد بطرس من بين أسماء مرشحة للتوزير. عندئذ طلب البحث عن الرجل.

كان فؤاد بطرس لا يزال يعمل في مكتب للمحاماة. اتصل به الأستاذ الياس سركيس الذي رغب في الاجتماع اليه في مكان ينأى به عن الأضواء. والتقيا في مقهى يقع في محلّة فرن الشباك وطلب منه ان ينتظر اتصالا هاتفيا من القصر الجمهوري. عند العاشرة ليلا تلقى فؤاد بطرس اتصالا هاتفيا دعاه فيه ناظم عكاري الى مقابلة الياس سركيس ورشيد كرامي في اليوم التالي.

صعد فؤاد بطرس الى القصرالجمهوري، وانضم الى جمهورية فؤاد شهاب.

هل كانت الشهابية مدرسة أم كانت مجرد نهج.

ربما جاء الجواب من الاثنين معا. لكن فؤاد بطرس مرّت حياته السياسية بين مدّ وجزر، وظلّ الرجل يحمل القانون بيد ويحمل النص في اليد الأخرى.

كان مجيء الرئيس سعد الحريري الى بعبدا، عشيّة سفره الى قطر، لحضور القمة العربية، مناسبة فريدة من نوعها، للتأكيد على أن عهد التفاهم مع فخامة الرئيس ميشال عون، فرصة قد لا تتكرر للتأكيد، ربما للمرة الأولى، على ان عصراً جديداً بدأ ينبزغ بين الرئاستين الأولى والثالثة للتفاهم واللقاء بين عصرين يمهّدان لقيام ترابط مهني وسياسي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة اللبنانية.

والخوف، تعاظم بادئ الأمر، من انعدام الترابط السياسي بين الرئاستين، فقد كان الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، عنوان الإفتراق السياسي في قمة التباين بين الرئاستين وهذا ما شعر به الجميع بعيد الإستقلال، لأن التباين كان هو السائد الأكبر بين الرئاستين. وغالباً ما كان رئيس مجلس الوزراء، يشعر بأن رئيس الجمهورية يتقدّم عليه في الموقع والمنصب. إلا أن التفاهم السائد بين العماد عون والرئيس سعد الحريري أصبح من بديهيات الحقبة الجديدة. وربما أن بروز التفاهم غالباً، بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء من المؤشرات الأساسية لوجود تفاهم سياسي ثلاثي.

صحيح أن التباين كثيراً ما يظهر بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب حيناً، وبين الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة أحياناً، فإن الإرادة السورية التي كانت قبل عشر سنوات، تقحم نفسها، في إذكاء الخلافات بين الرئاسات الثلاث، قد غابت، خصوصاً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والإنفصام الواضح في التفاهم الثلاثي، خصوصاً بعد بروز التناقضات السافرة بين الرئاسة الثانية بزعامة الرئيس نبيه بري والرئاسة الثالثة بقيادة الرئيس سعد الحريري.

وهذه هي من أبرز العناوين الصعبة داخل تيارات الحكم التي ستمتدّ قريباً للتفاهم على قانون إنتخابي جديد.