استقالة الحكومة تربك الجميع وسببها الإخلال بالتسوية والزج بلبنان بالمحور الإيراني
تمّ الإمعان في تكريس لبنان كمنصة لاستعداء الدول العربية، تارة بشتم وتحقير قادة الدول الخليجية وتوجيه التهديدات اليهم وتارة أخرى باستمرار تدريب وتسليح الخلايا لتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال إرهابية
يبدو ان الاتصالات والجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية ميشال عون وسائر المسؤولين والسياسيين لافساح المجال امام المشاورات بين مختلف القيادات لاستيعاب تداعيات استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ومحاولة اقناعه للعودة عنها لم تجدِ نفعاً ولم تلقَ التجاوب المطلوب واصطدمت بالأسباب والممارسات السياسية السلبية المحلية والإقليمية التي أسقطت حيادية لبنان وانحازت به قسراً باتجاه محور طهران في مواجهة الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها بقيادة المملكة العربية السعودية، خلافاً لأسس التسوية السياسية التي أدّت إلى انتخاب عون للرئاسة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري، وبالتالي لم يعد ممكناً التغاضي عن هذا الواقع السياسي الجديد وبات مطلوباً اعتبار الحكومة مستقيلة والمباشرة باتخاذ الخطوات اللازمة لتشكيل حكومة جديدة تخلف الحكومة الحالية وتتحمل أعباء ومسؤوليات التداعيات المرتقبة جرّاء الإخلال بالاتفاق – التسوية والزج بلبنان في المحور المذكور رغماً عن رغبة وتوجهات الاكثرية الساحقة من أبنائه.
فلبنان بعد استقالة حكومة الرئيس الحريري دخل في مرحلة جديدة تختلف كلياً عن مرحلة السنة المنصرمة التي أعقبت التسوية السياسية المتداعية بفعل سلسلة طويلة من الارتكابات والتجاوزات الخطيرة لأمن وسيادة ودستور الدولة اللبنانية التي قام بها «حزب الله» منذ الأشهر الأولى لعمر الحكومة المستقيلة في ظل صمت مطبق وغض نظر من كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الذي ذهب في بعض مواقفه الأخيرة إلى تبرير ذهاب عناصر الحزب للقتال ضد أبناء الشعب السوري ضمن الأراضي السورية، وأكثر من ذلك بإعلانه ربط مسألة حل سلاح الحزب بأزمة الشرق الأوسط خلافاً لمواقفه السابقة والداعية إلى طرح هذه المسألة من ضمن الاستراتيجية الدفاعية.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تمّ الإمعان في تكريس لبنان كمنصة لاستعداء الدول العربية، تارة بشتم وتحقير قادة الدول الخليجية وتوجيه التهديدات اليهم كما فعل مراراً الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتارة أخرى باستمرار تدريب وتسليح الخلايا لتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال إرهابية وتهديد أمن واستقرار الدول العربية الشقيقة كما حصل مع خلية «العبدلي» الإرهابية التي كشفتها وألقت القبض عليها السلطات الكويتية وأبلغت كبار المسؤولين اللبنانيين باعترافات عناصرها الصريحة بتدريبهم وتسليحهم من قبل الحزب في لبنان، ناهيك عن سلسلة طويلة من الممارسات السلبية والمواقف التي تنتهك سيادة وكرامة الدولة اللبنانية واخرها ما قاله رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني بأنه لا يمكن اتخاذ أي قرار مهم في لبنان وسوريا والعراق بدون موافقة بلاده وبالطبع لم يحصل أي ردّ رسمي من أي مسؤول لبناني باستثناء الرئيس سعد الحريري وكأن هذا الموقف لا يعني هؤلاء المسؤولين ولا الدولة اللبنانية.
وبالطبع لم تنفع كل محاولات رئيس الحكومة سعد الحريري وجهوده لدى كافة الدول والهيئات الدولية للتخفيف من سلسلة العقوبات الاقتصادية والمالية التي تُحضّر ضد الحزب والسعي قدر الإمكان لحصر مفاعيلها، وباتت الحكومة بالرغم من كل ما تقوم به في أكثر من اتجاه ودولة لاستيعاب التداعيات السلبية لممارسات وارتكابات الحزب وكأنها تشكّل غطاء لمثل هذه التجاوزات المفضوحة، حتى اتهمت في احيان كثيرة بالعجز وعدم القدرة على منع هذه الممارسات السلبية السيئة وبأنها أصبحت تتعايش معها تحت تأثير ترهيب وهيمنة سلاح الحزب خلافاً للواقع والحقيقة، بل أكثر من ذلك عندما اندفع بعض وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزير الخارجية لقيادة توجه «حزب الله» بالانفتاح على نظام الاسد بلقائه وزير خارجيته وليد المعلم في نيويورك، في مؤشر واضح لتحدي مشاعر ورغبة رئيس الحكومة سعد الحريري بهذا الخصوص.
اليوم وبعد إعلان استقالة الرئيس الحريري التي أربكت كل المعنيين، من الرئاسة الأولى والثانية وكبار السياسيين وحتى «حزب الله» المستفيد من الحكومة أكثر من غيره، وهم الذين اعتقدوا انه بالرغم من انجرارهم للانخراط في محور طهران بالخطوات والتجاوزات المتلاحقة لاسس التسوية، فإن الرئيس الحريري مطوق من كل الجهات وبالتالي لن يجرؤ على الخروج من سدة الرئاسة الثالثة والاستقالة من الحكومة.
ولكن الاستقالة وضعت الجميع في مرحلة صعبة جداً، الرئيس الحريري قلب الطاولة وقدم استقالته، ولبنان في عهدة الساكتين أو المؤيدين للانخراط في محور طهران، أصبح مكشوفاً، بلا غطاء عربي بعد ان أمعن الحزب في استعداء الدول العربية وتوسيع هامش الخلافات معها وبلا غطاء دولي يضمن حصانته ويجنبه الكثير من ترددات حرائق المنطقة، في سوريا وغيرها والتهديدات الإسرائيلية ومطامع النظام الاسدي المتواصلة ضد أراضيه وسيادته.