ما دام حضور النواب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية غير ملزم، فإن لبنان قد يواجه عند كل انتخاب أزمة كتلك التي يواجهها اليوم ويعجز عن الخروج منها. لذلك ينبغي حسم الخلاف حول هذا الحضور كما حسم الخلاف حول وجوب حضور أكثرية الثلثين شرطاً لمباشرة عملية الاقتراع السرّي لانتخاب الرئيس. وإذا كان “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”تيار المردة” يقاطعون اليوم جلسات انتخاب الرئيس، فإن هذا الدور السيّئ قد تلعبه أحزاب وتيارات أخرى عند الاستحقاق الرئاسي لتخيّر الآخرين بين القبول بالرئيس الذي تريد أو مواجهة استمرار الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف…
لذلك بات من الملحّ جداً اتخاذ قرار يلزم النواب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وعدم التغيّب عنها إلا بعذر شرعي، كما اتّخذ قرار بوجوب حضور أكثرية ثلثي النواب جلسة الانتخاب، إذ كيف يعقل أن تكون أكثرية الثلثين شرطاً لانتخاب الرئيس ولا يكون حضور النواب إلزامياً لتأمين حضور هذه الأكثرية؟ وقد لا يحتاج ذلك إلى تعديل دستوري يوضح النص الملتبس لدى البعض، إنّما يحتاج إلى إضافة مادة الى النظام الداخلي للمجلس تجعل حضور النواب جلسة انتخاب الرئيس الزامياً. كما نص هذا النظام في المواد 69 و70 و71 على الآتي: “لا يجوز للنائب التغيّب عن أكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلا بعذر مشروع مسبق يسجّل في قلم المجلس. وفي حال اضطرار النائب للتغيّب بغير مهمّة رسمية وبصورة مستمرة عن أكثر من جلسة واحدة، عليه أن يقدّم طلباً إلى قلم المجلس يبيّن فيه أسباب التغيّب، ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها. وعندما لا يتمّ عقد جلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني يضع مدير شؤون الجلسات جدولاً بأسماء النواب المتغيّبين من دون إذن أو عذر، وتُدرج أسماء المتغيّبين في محضر الجلسة التالية”. وأهم ما نصّ عليه النظام الداخلي للمجلس الآتي: “إن حضور جلسات اللجان إلزامي، ويعتبر مستقيلاً حكماً عضو اللجنة الذي يتغيّب عن حضور ثلاث جلسات متوالية من دون عذر مشروع مقدّم وفقاً للمادة 69 من النظام الداخلي، وعلى رئيس اللجنة أن يبلغ رئيس المجلس الأمر لانتخاب خلف له” (المادة 52). فهل يعقل أن يكون حضور النواب جلسات اللجان إلزامياً ولا يكون إلزامياً حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يتّخذ أي تدبير بحق المتغيّب من دون عذر أو أقلّه عدم احتساب المتغيّب عند تعداد أكثرية الثلثين؟ وعندما يصبح حضور النواب جلسة انتخاب الرئيس إلزامياً فلا يعود في استطاعة أي حزب أو كتلة أو تيار تعطيل نصابها بالتغيّب كما يحصل اليوم، ولا تعود البلاد تواجه أزمات رئاسية عند كل استحقاق، بل يصبح انتخاب الرئيس محتوماً ضمن المهلة الدستورية ولا قدرة للمعطّلين على فرض شروطهم على الأكثرية. فإذا لم يحسم موضوع حق التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية فسوف يظل في استطاعة من يشاء من النواب تعطيل الجلسات وخلق أزمة انتخاب رئيس خدمة لمصالح ذاتية أو خارجية. فعلى مجلس النواب إذاً وعلى القادة عدم التلهّي بالخلاف على أسماء المرشّحين للرئاسة بل حسم الخلاف حول حق أو عدم حق النائب بالتغيّب عن جلسات الانتخابات الرئاسيّة، وعندما ينتخب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية فلا تعود عندئذ حاجة لنقل صلاحيات الرئاسة إلى الحكومة يختلف أعضاؤها على استخدام هذه الصلاحيات كما هو حاصل مع الحكومة الحالية، ولا يظل المرشّحون للرئاسة يتنافسون خارج مجلس النواب بل داخله بحيث يفوز بالاقتراع السرّي من ينال الأكثرية النيابيّة المطلوبة.
إن القوى السياسيّة الأساسية في البلاد، وتحديداً المارونيّة، مدعوّة إلى حماية منصب الرئاسة الأولى ودورها، وإلى حسم الخلاف حول موضوع حق أو عدم حق النائب في التغيّب من دون عذر شرعي وذلك بقرار يصدر عن هيئة مكتب المجلس كما صدر عنها قرار بوجوب حضور أكثرية الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، أو اضافة مادة إلى النظام الداخلي للمجلس تلزم النائب حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية كما ألزمه حضور جلسات اللجان النيابية لتجنّب تعريض البلاد عند كل استحقاق لأزمة رئاسية لا تُعالج، وإن موقتاً، بتفعيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب وكأن الرئاسة الأولى يمكن الاستغناء عنها ولا تشكّل بالضرورة الركيزة الأساسية من ركائز “الميثاق الوطني” الثلاث وهي: رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة، والكفّ عن إثارة الخلافات حول المرشّحين للرئاسة خارج المجلس بل داخله تطبيقاً للدستور وللنظام الديموقراطي.