IMLebanon

لبنان أمام مصير مجهول

 

لم يكد الرئيس اللبناني ميشال عون ينهي خطابه بذكرى استقلال لبنان، والذي لم يعط فيه أي بارقة أمل لحل الأزمة، وتنفيذ مطالب الشارع العريض المنتفض حتى خرج المتظاهرون برد يرفض كل ما جاء بخطابه.

فمن الواضح أن ساسة لبنان يعيشون خارج الزمن، بل ويريدون إدارة عقارب الساعة للخلف، على أمل أن يبقى الحال على ما كان عليه ليستمروا في اقتسام مقدرات وثروات البلد، ويتركوا الشعب أسيراً للكذب الذي استمر أربعة عقود ليتحكموا في طموحات شباب وأطفال لبنان الذين بات مستقبلهم رهين مسرحية النزاعات الطائفية التي يقتات عليها السياسيون الديناصورات، أو أن يهاجروا كما وجههم رئيس لبنان نفسه في لقائه التلفزيوني قبل أسابيع عدة.

لا شك أن الأزمة في لبنان بدأت تتجه نحو منزلق خطير أقرب لإسقاط الدولة في الهاوية، فما يقوم به «حزب الله» من محاولة لاستجرار ما قامت به أنظمة سوريا واليمن «صالح» وليبيا أيام القذافي، وذلك كان في بدايات الثورات بدولهم عندما أخرجوا مسيرات تأييد لهم لم يعقبها إلا الانحدار نحو الحرب الأهلية وخلخلة الجانب الأمني.

ويبدو أن لبنان ليس استثناءً عنهم فطهران صاحبة الفكر الإقصائي وملهمة الأنظمة الديكتاتورية الشمولية بسياسة القمع، تلقي بثقلها من خلال حزب الله وتتدخل في شؤون هذا البلد العربي، لإشعال الفتنة الطائفية.

يسود تحليل لدى الاستراتيجيين مفاده أن لبنان بدأ يصاب بعدوى سياسة إيران القمعية، وأن الداخل اللبناني يتحضر لمواجهات ستقوده إلى الفوضى أو بأي شكل مقارب لها، خصوصاً أن الموقف الدولي الذي لا يستطيع لبنان أن يعيش من دون أن يسمعه، صامت لا يريد دعم حكومة يسيطر عليها «حزب الله» ويخدم بها أجندة إيران، وهذا ما أكده أحد مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث قال إنه لا يوجد توافق داخل الأسرة الدولية لإيجاد حل للأزمة التي يشهدها لبنان منذ أكثر من شهر.

في الوقت الذي قام مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، بالرد عليه ضمنياً بأن إيران هي المسؤولية عن الفساد الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات في العراق ولبنان، فلن تتحمل الدول عبث «حزب الله» وسيطرته على الحكومة، وحشده الموالين للحزب بإغلاق الطرق أمام المتظاهرين، وتقدم مساعدات لاقتصاد مختنق ومعطل تماماً.

وما الذي سيجعل الاستقرار السياسي والاقتصادي ممكناً و«حزب الله» يطبق خطط طهران بإشعال مزيد من التوتر والفوضى باتهام الجيش ووقوفه مع الشعب، وكذلك يتهم واشنطن بالتدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، معتبراً التدخل الأميركي السبب الرئيسي لتأخير تشكيل الحكومة؛ فالشماعة لدى نظام إيران وأذنابهم جاهزة، عندما يقف الشعب ضد سياساتهم ولا تخرج عن التخوين والمؤامرات، ناسين أن الجوع والبطالة والفقر وسوء الخدمات، هي من أسباب انتفاضة الشعوب الثائرة ضد هذه الأنظمة والميليشيات الفاسدة، وهذا الذي دفع الناس للتظاهر ورفض هذا الواقع الذي لم يعد محتملاً حمله، أو يقبل به في زمن الذكاء الصناعي وثورة الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم قرية صغيرة. فالناس لم يعد تهمها أرواحها ما دامت لا تجد الخبز والكرامة.

لقد بات لبنان في مواجهة مصير مجهول، والأوضاع فيه تزداد تعقيداً، وساسته غير قادرين على إدارة الأزمة، بل ما زال الإنكار يسيطر على بصيرة قادته، وهذا يعني أن تبقى إرادة الشعب صامدة حتى تتحقق مطالبهم؛ فالمجتمع الدولي لا يبدو مستعداً لتقديم المساعدة، علماً بأن الأحزاب والزعامات الطائفية بلبنان اعتادت على الوصاية من الخارج، فلا أمل من أن تقوم بأي عمل يحقق تغييراً حقيقياً يرضي الشارع اللبناني العريض، ويضع لبنان على المسار الصحيح للبناء والنماء.