الديبلوماسية الشرسة أبرز السمات الأميركية في الإقليم ومؤشِّر على المنحى التصاعدي
تطورات دراماتيكية آتية ستلفح لبنان عبر المزيد من التضييق على «حزب الله»، فيما يتحضّر الحزب لتسلم وزارة الصحة رغم كل التحفظات الأميركية والأوروبية على هذه الخطوة
تشي الإجراءات الأميركية التصاعدية في حق إيران وحزب الله أحد أبرز وأقوى أذرع طهران في المنطقة، أن المرحلة المقبلة تنطوي على مخاطر لبنانية بالغة، لا سيما في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والتي بمعظمها ترتكز على اتهام حزب الله بإنشاء مصانع تطوير السلاح الإيراني وتحديثه وتحويله ذكيا، في مسعى على ما يظهر الى تجهيز الذريعة متى قررت تل أبيب تحويل تهديداتها الى حرب على لبنان.
وتُعتبر تركيبة الإدارة الأميركية، وخصوصا مجلس الأمن القومي الذي يرأسه أحد صقور الإدارة، جون بولتون، أمرا مسهلا لأي نزعة إسرائيلية صوب حرب موضعية أو حتى شاملة، نظرا الى مدى تغلغل السياسة الإسرائيلية في واشنطن هذه الأيام، مباشرة أو عبر مجموعات الضغط المعهودة، مما يزيد في المخاطر المرتبطة بالتهديد الإسرائيلي المستمر.
آخر تلك الإجراءات الأميركية التصاعدية لتطويق إيران وحزب الله، تعيين الرئيس دونالد ترامب الجنرال اللبناني الأصل جون أبو زيد سفيرا لواشنطن في المملكة العربية السعودية، وهو المركز الشاغر منذ عامين كاملين، أي منذ تولي ترامب الرئاسة، بفعل تفضيله ومستشاره وصهره جاريد كوشنير إبقاء العلاقة مباشرة مع قادة المملكة من دون لزوم مرورها بالقنوات الديبلوماسية التقليدية.
تعيين أبو زيد له دلالاته. فهو من جهة يتزامن مع ما تشهده العلاقات السعودية – الأميركية من توتر على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وهو من جهة ثانية يُعدّ خبيراً متمرساً في شؤون الشرق الأوسط وأحواله نظراً إلى أنّ فترة خدمته على رأس القيادة المركزية الوسطى (2003 – 2007) تزامنت مع انخراط واشنطن في حروب في الإقليم (وخصوصا الحرب على العراق – 2003) تُعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة. أما أبرز نقاط قوته فتتمثّل في أنه ضليع في شؤون «حزب الله» وإيران، علما أنه عمل كمراقب مع الأمم المتحدة في العام 1985 وعاين عن قرب العملية التي نفذها «حزب الله» في 14 آذار من ذلك العام ضد قافلة عائدة الى الجيش الاسرائيلي. كما أن عائلته أقامت في إسرائيل في تلك الفترة.
وللسفير الذي ينتظر مصادقة الكونغرس على تعيينه، مواقف مباشرة في الشأن اللبناني، إذ إنه استبعد في تحليله ظروف حرب العام 2006 أي دور لإيران وسوريا في خطف «حزب الله» الجنود الإسرائيليين مع تأكيده أنهما استغلا الوضع. كما دعا الى تقوية الجيش اللبناني وتدريبه وتزويده بالسلاح بما يمكنه من بسط سيطرته على الجنوب. كما نبّه من مخاطر ازدياد قوة الحزب بحيث تتخطى قدرته العسكرية تلك العائدة الى الجيش والقوى المسلحة.
وتعتبر مصادر ديبلوماسية رفيعة أن تعيين واشنطن أبو زيد سفيرا في السعودية الى جانب تعيينها ماثيو تولر سفيرا في العراق، نمط من أنماط الديبلوماسية الشرسة المناقضة تماما للديبلوماسية الناعمة التي كانت في صلب عمل الإدارة الديمقراطية السابقة زمن الرئيس باراك أوباما.
وتلفت المصادر الى أن هذا التغيير التصاعدي في عواصم مفتاحية في الإقليم، بالتزامن مع السياسة المتشددة تجاه طهران، وهو ما سمّاه مستشار الأمن القومي الأميركي «عصر إيران» حيث الشدة أبرز عناصره، يشي بتطورات دراماتيكية آتية ستلفح لبنان حكما عبر المزيد من التضييق على حزب الله، في وقت يتحضّر الحزب لتسلّم وزارة الصحة مع كل التحفظات الخارجية (أوروبيا وأميركيا) على هذه الخطوة.
وكان لافتا في هذا السياق، مسارعة جهات إسرائيلية وأميركية الى التركيز على سيرة مرشح الحزب المفترض لتولي وزارة الصحة وهو الدكتور جمال الطقش، بصفته «نائبا سابقا عن الحزب بين عامي 2005 و2009، وسبق له أن تخصص طبيبا جراحا في طهران. وهو مدير الطبابة في مستشفى الرسول الأعظم ومدرج في لائحة الجراحين الممارسين في المستشفى حيث يعالج مقاتلو الحزب المصابون في سوريا. كما سبق أن عمل مديرا لمستشفى دار الحكمة الذي هو جزء الشبكة اللبنانية المرتبطة بلجنة الإمام الخميني للإغاثة».
وتنظر واشنطن وتل أبيب الى هذه اللجنة على أنها ذراع إيران لاختراق الدول من بوابة الإغاثة، وستار لأنشطتها السرية والتي تتضمن دعم الجماعات المدرجة في لوائح التنظيمات الإرهابية في هذه الدول أو زعزعة استقرار دول مجاورة.