IMLebanon

لبنان يتابع مسألة ترسيم الحدود البحرية

 

عاد موضوع ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الإقتصادية الخالصة بين لبنان وإسرائيل (فلسطين المحتلّة) وقبرص الى الواجهة، مع زيارة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد الأخيرة الى لبنان. فقد طرح السفير ساترفيلد خلالها على المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم عدّة اقتراحات لحلّ النزاع البحري الحدودي، سيما أنّ إسرائيل لم تتمكّن في العام الماضي من إقناع أي أحد بما ادّعته عن ملكيتها للبلوك 9 الذي يقع ضمن البقعة المتنازع عليها بينها وبين لبنان. وجاء بالتالي للتمهيد لزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المرتقبة الى لبنان منتصف شهر آذار الجاري والتي سيتناول خلالها مع القادة والمسؤولين اللبنانيين التطوّرات في لبنان والمنطقة، وملف النازحين، وترسيم الحدود البحرية، والعقوبات الأميركية المشدّدة على »حزب الله»، وغير ذلك.

 

ويقول بعض الخبراء انّ ما يهمّ لبنان من إيجاد حلّ نهائي للنزاع القائم مع الجانب الإسرائيلي حول ما تدّعيه عن ملكيتها لـ 860 كيلومتراً مربعاً من ضمن مجمل مساحة المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان والتي تصل الى 22 ألف كيلومتر مربع، هو أن يتمكّن لبنان من التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 الذي جرى تلزيمه الى اتحاد ثلاث شركات، ويتداخل قسم يسير منه، كما من البلوك 8 في البقعة المتنازع عليها.

 

وأفادت أوساط ديبلوماسية متابعة للملف بأنّه من ضمن الاقتراحات التي عرضها ساترفيلد، العودة الى خط هوف (أي الخط الذي اقترحه الوسيط الأميركي فريديريك هوف في العام 2012، والذي قضى بالسماح للبنان بأن يستثمر ما بين 55 و60 % من المنطقة المتنازع عليها، على أن يبقى الباقي معلّقاً الى حين ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بشكل رسمي لاحقاً). وهذا الأخير سبق وأن عرضه أيضاً على المسؤولين اللبنانيين عندما قام بدور الوساطة في شباط من العام الماضي، وجرى رفضه من قبل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي أصرّ على موقفه لجهة ترسيم الحدود عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة من تفاهم نيسان 1996 التي تضمّ لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة. كما لأنّه لا يحقّ لإسرائيل الاستفادة ولو بـ 1 % من المنطقة المتنازع عليها كونها تدخل بأكملها ضمن الحدود البحرية الخاصّة بلبنان، وكون لبنان يعترض بالتالي على ادعاءات إسرائيل بأنّ البلوك 9 هو ملك لها بكامله أو في جزء منه ويحقّ لها التنقيب فيه.

 

وعرض ساترفيلد أن يقوم الجانبان بالتفاوض مجدّداً مع قبرص على ترسيم الحدود سيما أنّ اللغط حصل عندما جرى الاتفاق بين قبرص وإسرائيل على المساحات البحرية التابعة لكلّ منهما، واعتبرت إسرائيل الكيلومترات الـ 860 التابعة للبنان من ضمن حصّتها، رغم أنّها قبل الاتفاقية مع قبرص كانت في كلّ عملياتها تعتمد على الحدود نفسها التي يضعها لبنان. فقد عرفت إسرائيل كيف تستفيد من الثغرة في الاتفاق بين لبنان وقبرص، فأنشأت خلافاً مع لبنان عند النقطتين 23 و1 في البقعة البحرية، فيما لا يقوم معها بأي مفاوضات. كما اقترح ترك الخيار للشركات التي لزّمها لبنان من جهة (أي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية)، والجانب الإسرائيلي من جهة ثانية التنقيب عن النفط والغاز، تحديد ما يحقّ لكلّ من الطرفين في بقعة النزاع، علماً أنّ هذه الشركات لا يُمكنها من دون امتلاك خرائط تحديد حصّة كلّ جانب.

 

ولبنان الذي يدرس الخيارات المطروحة من قبل الموفد الأميركي، يُحاول بحسب المعلومات، إقناع قبرص بإعادة التفاوض وخصوصاً أنّ ثمّ اجتماع سوف يُعقد بينه وبين قبرص واليونان في نيسان المقبل للتوافق على اتفاقات ثلاثية تشمل التعليم والثقافة والسياحة وما الى ذلك. علماً أنّ الإتفاقية بين لبنان وقبرص حول الحدود المائية بدأت في العام 2006، إلاّ أنّها تعطّلت لأسباب سياسية، غير أنّها ألحقت الضرر بلبنان، ولم يعمد حتى الآن الى تسوية هذا الأمر، لأنّه يتطلّب إتفاقاً ثلاثياً لا يُمكنه عقده ما دامت إسرائيل التي هو في حالة عداء معها، تمثّل الطرف الثالث فيه.

 

ولهذا تؤكّد الأوساط نفسها ان على لبنان استعادة حقّه الذي تحاول إسرائيل انتزاعه منه، من خلال إصراره على حدوده البحرية المعترف بها، واعتراضه على الاتفاق الموقّع بين قبرص وإسرائيل وعلى محاولة قضم 860 كلم مربعاً من المنطقة البحرية اللبنانية، فضلاً عن تأكيد حقّ لبنان كاملاً في استعادة المساحة المسلوبة منه. وكان سبق وأن أرسل الخرائط والمستندات المطلوبة الى الأمم المتحدة لترسيم حدوده في المنطقة الاقتصادية الخالصة، سيما أنّ إسرائيل عرضت على الأمم المتحدة كذلك ما تعتبره حصّتها في المنطقة البحرية. إلاّ أنّ لبنان على عكس إسرائيل، موقّع على قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1982، الذي ينصّ على ترسيم الحدود البحرية بين الدول في حالات النزاع، ما يجعل موقفه أقوى لدى الأمم المتحدة. ويُترك القرار، بحسب المعلومات، لمحكّمين، وتدّعي إسرائيل أنّها لم توقّع على هذا القانون لتخوّفها من وجود محكّمين منحازين.

 

ولكن أكثر ما يُخشى منه هو أنّ إسرائيل وقبرص قد بدأتا منذ زمن التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة، فيما لا يزال لبنان في خطواته الأولى في اللحاق بنادي النفط. ولهذا يُحذّر الخبراء من إهمال مسألة ترسيم الحدود لوقت أطول.

 

كذلك من مصلحة لبنان، على ما شدّدت الأوساط نفسها، التوصّل سريعاً الى حلّ نهائي للخلاف القائم على البقعة المتنازع عليها، لتصبح الشركات الملزّمة بالتنقيب أكثر اطمئناناً لدى بدء عملها بأنّ إسرائيل لن تعترضها أو تعيق عملها، ولما يُمكن أن يجنيه لبنان من أموال هائلة قد تسدّ ديونه المتراكمة وتُنقذه من العجز المالي الذي يقع فيه منذ عقود. فهل سيستفيد لبنان من الإجتماع الذي سيعقده مع قبرص واليونان في نيسان المقبل لبحث هذا الأمر على هامش الاتفاقات الثلاثية التي ينوي عقدها وتصبّ في مصلحة نموّه وازدهاره؟!