ماذا بقي في لبنان من جوهر النظام الديمقراطي البرلماني وحتى من مظاهره وتقاليده؟ سؤال يعيد التذكير به خطاب السيد حسن نصرالله الأخير وبعض ردود الفعل عليه. ففي الخطاب تلويح للرئيس سعد الحريري بتسهيل عودته الى رئاسة الحكومة مقابل تسهيله طريق العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. وفي رد تيار المستقبل شيء يشبه المثل الشعبي عن الذي يريد الديك وحق الديك، وشيء من التركيز على اعادة الاعتبار الى الدستور والأكثرية النيابية في تسمية رئيس الحكومة. والسؤال مطروح عملياً منذ ربع قرن، وسط ممارسة التشاطر في تلطيف الجواب عنه منذ أنهت الوصاية السورية بعد الطائف تقليد التنافس الديمقراطي على الرئاسات الثلاث.
ذلك ان الخيارات الرئاسية خلال الحرب كانت محكومة بارادة القوة العسكرية الخارجية التي لها اليد العليا. والمرة الأخيرة التي جرى فيها تنافس ديمقراطي، ولو في الشكل، كانت في أول عملية انتخاب رئيس بعد الطائف، برغم ان الجميع كان يعرف على من وقع خيار الكبار. ثم دخلنا بشكل منتظم في تقليد التصويت للمرشح الوحيد المختار من دمشق أيام الوصاية، ومن تفاهم داخلي وخارجي بعد الانسحاب السوري كما حدث في الدوحة. وما نحن فيه اليوم يتجاوز الاصرار على انتخاب مرشح وحيد الى تعطيل اللعبة حتى ضمان النتائج سلفاً، مهما طال الشغور الرئاسي وتراكمت المخاطر على البلد والناس.
وبكلام آخر، فإن لبنان المحكوم بالخروج على الدستور والامتناع عن بناء مشروع الدولة صار خارج الأنظمة الديمقراطية البرلمانية واعادة تكوين السلطة فيها. لا بل انه دون مستوى ادارة السلطة حتى في نظام شمولي تيوقراطي كالنظام في ايران. هناك في الجمهورية الاسلامية يشرف المرشد الأعلى علي خامنئي على التنافس في انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الشورى ورئاسة مجلس الخبراء وسواها. وهنا يسمّي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة كأنه يلعب دور المرشد في الجمهورية الهجينة اللبنانية.
ومن المهم أن يستمر التذكير بضرورة الاحتكام الى الدستور والعودة الى جوهر النظام الديمقراطي البرلماني أو حتى الى مظاهره. لكن الأهم هو القدرة على تطبيق الدستور كما على وقف الاجراءات المضادة لبناء مشروع الدولة. والمفارقة ان بين أصحاب المواعظ اليومية عن الدستور والانتظام العام من يقوم بعملية تسويق للمخارج المطروحة بقوة الأمر الواقع والمرشحة لأن تصبح القاعدة الدائمة. والمفارقة الأكبر ان ما يرافق تعميق الأزمة بكل جوانبها هو تسطيح الحلّ.