لبنان أشبه بزورق مطاطي مثقوب من كل النواحي ويواجه الغرق في عرض البحر
الوضع الداخلي غير مؤهّل لحلّ الأزمات والعامل الخارجي المساعد غائب عن السمع
فشل مؤتمر فيينا حول سوريا قد يزيد الأزمة اللبنانية تعقيداً
يصحّ تشبيه الوضع في لبنان بزورق مطاطي في عرض البحر، وقد تعرّض لجملة من الثقوب من كل ناحية، ويحار قبطانه من أين يبدأ بالمعالجة قبل أن تداهمه المياه وتُغرق الزورق بمن عليه. فالفراغ الرئاسي استوطن قصر بعبدا، والشلل الحكومي تسلّل إلى السراي الحكومي، والتعطيل استحكم بالتشريع في مجلس النواب، وبين هذا وذاك الوضع المعيشي مزرٍ، والقطاع الاقتصادي يُعاني الأمرّين، والمعالجات تدور في حلقة مفرغة على عكس النفايات التي تسبح في كل مكان من دون أية قيود أو رادع، والوطن والمواطن وحدهما يدفعا الثمن وسط أبواب مشرّعة على الهجرة إلى المجهول.
كل ذلك ولا يلوح في الأفق أي مؤشرات توحي بإمكانية معالجة أي من الملفات المفتوحة أو الاستحقاقات العالقة، لا بل إن السلوك السياسي المتّبع في مقاربة هذه الملفات يبعث على الاعتقاد بأننا سنكون أمام أزمات متفاقمة وأكثر تعقيداً ربما تستمر لأمد طويل، في ظل الإخفاق الحاصل في المعالجة، وغياب أي عامل إقليمي ودولي من شأنه أن يُساعد في إيجاد الحلول للمعضلات الموجودة.
وإذا كان هناك من يعوّل على ليالي الأنس في فيينا من خلال الاجتماع الدولي الذي سيعقد هناك لأجل مناقشة الأزمة السورية، وإمكانية إنعكاس أي إيجابية تحصل على هذا الصعيد على الوضع اللبناني الغائب عن الأجندة الإقليمية والدولية بفعل الأزمات المحيطة فيه.
وفي هذا الشأن تتوجّس مصادر سياسية مطّلعة خيفة من أن ترتدّ أجواء فيينا سلباً على الوضع اللبناني حيث أن المناخات المحيطة بهذا الاجتماع ترجّح إمكانية إندلاع إشتباك دبلوماسي سعودي – إيراني على الطاولة من شأنه أن يعقّد الأمور أكثر في لبنان وبالتالي تضيع أي فرصة حل قريبة للمشكلة اللبنانية.
وحيال هذا المشهد فإن هذه الأوساط لا ترى من مبرّر أن تبقى القوى السياسية تُراهن كل من زاويتها على حصول أي متغيّرات خارجية تؤدي إلى تعزيز ورقتها في الداخل اللبناني، وأن تنصرف إلى تعزيز لغة الحوار الموجودة حالياً إلا إذا كانت هناك من قطبة مخفية تحول دون لبننة الاستحقاقات والملفات ومعالجتها بعيداً عن النكايات والنكد السياسي الذي يُهدّد بإسقاط الهيكل على الجميع.
وفي تقدير الأوساط السياسية أن «الدوار» الموجود على كافة الصعد لا يمكن فرملته إلا من خلال الحوار القائم حالياً والذي جنّب البلد هذه الفترة المزيد من التجاذبات وإن كان لم يُثمر بعد أية نتائج فعلية من الممكن ترجمتها على أرض الواقع، لكن مجرّد جلوس أقطاب الحوار وجهاً لوجه على الطاولة فإن ذلك يخفّف من حدة الاحتقان وإن كان لا يلغيه، ويمكِّن اللبنانيين من تعبئة الوقت الضائع في أقل ضرر ممكن ريثما يتوضح المشهد الإقليمي ويصبح العامل الدولي جاهزاً لتسهيل الحلول على المستوى اللبناني، لأن الاتكال على الحلول الداخلية بات ميؤوساً منه، فطالما ان أزمة النفايات التي بدأت منذ أكثر من شهر قد كشفت العجز الذي يضرب بالقوى السياسية بمختلف اطيافها، فإنه لم يعد مأمولاً من هذه القوى معالجة الملفات الكبرى على مستوى الانتخابات الرئاسية أو وضع قانون جديد للانتخابات وهذا ما يبعث على الاعتقاد بأن الأزمات الداخلية آخذة بالتفاقم، وأن ما يمكن حصوله إن التأم مجلس النواب، أو انبعثت الحياة مجدداً في روح الحكومة سيكون مجرّد تحذير موضعي لبعض المشاكل لا سيما المالية منها بعد التحذير القوي والجدي الذي تبلغه لبنان من البنك الدولي لجهة احتمال ان يفقد لبنان نصيبه من الهبات والقروض الميسرة.
وهذا الواقع عبر عنه بشكل صريح وواضح البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي خلال القمة الروحية المسيحية التي انعقدت في ختام سينودوس أساقفة السريان الكاثوليك، حيث أعرب عن أسفه لتصرف الكتل السياسية والنيابية وكيف ان اللبنانيين سلموا قضاياهم للخارج، وكلام الراعي هذا بشكل دلالة واضحة على حالة القرف التي وصلنا إليها نتيجة السلوك السياسي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار المصلحة اللبنانية، ولا يعطي أي أهمية لما يحصل من تفكك في المؤسسات الدستورية والعامة نتيجة الفراغ السياسي والشلل المؤسساتي، وهذا الأمر ظهر جلياً أيضاً خلال وجود رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه في لبنان حيث لم يسمع من القيادات التي التقاها أي موقف يُشجّع فرنسا على الدخول على خط معالجة الأزمة اللبنانية كيف كانت الأفكار متباعدة، ونوايا الحلول غير موجودة، والثقة بين الأفرقاء اللبنانيين مفقودة، وهو ما جعله يغادر لبنان بانطباع مفاده بأن حل الأزمة اللبنانية لم يحن أوانه بعد، وأن على اللبنانيين التعايش مع واقعهم الحالي إلى ان تصبح الظروف الداخلية والخارجية ملائمة للحل.