«فما تدوم على حال تكون بها
كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالوصل الذي زعمت
إلا كما تمسك الماء الغرابيل»
(كعب بن زهير)
لفتتني محاضرة أصبحت متداولة في وسائل التواصل الإجتماعي لصحفي أساسي في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، توجه فيها للوبي الصهيوني في أميركا. يقول الصحفي جدعون ليفي بما معناه أن المحاباة والدلال الأميركي لإسرائيل جعل منها دولة عنصرية وعدائية وتحوّل سكانها إلى وحوش.
واللافت هو أن ليفي دعا الولايات المتحدة إلى الضغط على إسرائيل بدل المبالغة في دعمها لإيجاد فرص حقيقية للسلام ولإعطاء الفلسطينيين حقوقهم بدل تشويه صورتهم وتحليل سفك دمائهم تحت مظلة محاربة الإرهاب.
لست أسعى هنا للمقارنة الا من باب «الدلال»، فلطالما اعتمد لبنان على أن «إخوانه» العرب، وبالاخص أهل الخليج، يحبونه ويتفهمون خصوصيته، وبالتالي فإنهم سيقفون إلى جانبه دائماً حتى ولو أنه تهرب من مسؤولياته تجاههم.
الواقع هو أن حتى أكثر اللبنانيين عداوةً تجاه عرب الخليج كانوا دائماً يعتمدون على هذا الدعم. في حمأة حرب تموز سنة ٢٠٠٦ قال لي عضو أساسي في «حزب الله» أن حكومة لبنان ستعتمد حتماً على المجتمع الدولي، وبالأخص الإخوان العرب، لإعادة إعمار ما تسببت به الحرب. ونذكر جميعنا كيف أصبحت قطر في تلك الأيام قبلة أنظار المقاومين والممانعين.
لكن اليوم غير البارحة، وما كان واقعاً سنة ٢٠٠٦، لم يعد ممكناً اليوم في ظل الصراع المصيري الذي أخرج الجميع من المواقف الملتبسة وأدخل شعوب الخليج وكياناتها في حرب مباشرة مع إيران وحلفائها في المنطقة، وبالتالي، لم يعد بالإمكان اللعب على الحبلين، أو الإستفادة من موقع الدلال لاتخاذ مواقف ترضي الطرفين.
ليس على القيادة السياسية في لبنان، وبالأخص المرتبطة بفريق رئاسة الجمهورية، أن تستغرب مواقف أهل الخليج، وآخرها ما يتعلق بالتحفظ على دعم لبنان في الجامعة العربية. عليها في الواقع أن تستغرب لماذا لم تصدر مواقف أقسى من ذلك من تلك الدول تجاه لبنان وعلى مختلف الصعد.
فقد يتفهم بعض العرب موقفاً حيادياً للبنان في الصراع الإقليمي القائم لأسباب تتعلق بتركيبته الداخلية الدقيقة والصعبة، وبسبب وجود ميليشيات مسلحة قادرة على ضرب أمن ووحدة البلد، وقد تغفر أو تتغاضى عن مواقف وزارة الخارجية سابقاً في خرقها التضامن العربي، وبالأخص في الموضوع المتعلق بإيران. أما على المستوى الإقليمي فما هي مصلحة لبنان في أن يكون منحازاً لجماعة الممانعة؟ هل سيكون الأمن افضل معهم؟ هل سيكون الإستقرار السياسي شعارهم؟ هل سيشهد لبنان ثورةً إقتصادية وإنمائية واجتماعية على يدهم؟ هل ستنطلق الصواريخ الإيرانية لتمحو إسرائيل بسبع دقائق لو سولت لها نفسها بالإعتداء على لبنان؟ هل سيضمن الإتحاد الروسي وصول الكافيار والفودكا بأسعار مخفضة إلى الراغبين في لبنان؟
الواضح اليوم هو أن زمناً من الدلال اللبناني قد ولى، ولم يعد يجدي الإعتماد على رحابة صدر وطيبة قلب الآخرين، وبالأخص عندما تكون المواقف اليوم تحسب بموازين دقيقة فالكل يخوض معارك مصيرية.
(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»