أين يقع لبنان في الاولويات الدولية، ولاسيما بعد التوقيع المنتظر على الاتفاق «النووي» بين الغرب وايران، وهل يمكن ان يكون لاحقاً اولوية بمسعى من اطراف داخلية تحرص على السيادة والاستقلال؟
تؤكد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، ان لبنان ليس اولوية امام ما يحصل في كثير من دول المنطقة، بدءاً بسوريا واليمن والعراق وليبيا، انها ملفات صعبة ومعقدة، قد يكون لبنان من اسهلها، لكن يجب الانتظار لمعرفة الحسابات الدولية الاقليمية، وسلّم الأولويات لدى الاميركيين والغرب. هناك اولوية محاربة «داعش» قبل الوصول الى ملف لبنان. من هنا تكمن اهمية الزيارات الدولية التي يقوم بها سياسيون لبنانيون في هذا المجال.
وتفيد المصادر، ان من غير المحتوم، بعد التوقيع على الاتفاق مع ايران، ان تباشر الدول الكبرى تفاهماً معها بشكل فوري حول ملفات المنطقة. اذ ليس بهذا الشكل تمشي الامور. الاتفاق يعطي مدخلاً ايجابياً للحوار بين الطرفين الدولي والايراني، لكنه لا يلزم التفاهم فوراً بينهما. اهمية الاتفاق في انه سيضع القلق الدولي من امتلاك ايران للقنبلة النووية جانباً ويكون الغرب ارتاح من هذا الملف، وفي الوقت نفسه تكون ايران ارتاحت من العقوبات الدولية المفروضة عليها.
انما لن يتغير موقف الغرب في اليوم التالي للتوقيع من سلوك ايران في المنطقة، ومن «حزب الله» مثلاً. ولبنان مؤكد انه ليس من الاولويات، لكن المهم دولياً، ان يبقى وضعه مستقراً، وان لا تحصل فيه حرب سنية شيعية نتيجة ما يحصل في المنطقة.
اذا وقّع الاتفاق مع ايران، سيحصل حوار غربي ايراني حول كل الملفات. الموفد الدولي للحل في سوريا ستيفان دي ميستورا سيتشاور مع ايران حول هذا الحل، في اطار المشاورات التي يقوم بها مع الاطراف السوريين والفاعلين في سوريا ولمدة 50 يوماً. ما يعني ان الخلافات الاستراتيجية هي ذاتها مع الفرق ان هناك كلاماً سيحصل حولها. هناك نظريتان، الاولى تقول ان الحلول الوسط ستحصل في ملفات المنطقة، نتيجة الاخذ والرد و»الديل» المتوقع. والثانية، بدأت في الكواليس الديبلوماسية، وتقول انه بعد توقيع النووي، لن يكون هناك إحراج غربي في ضرورة مسايرة ايران على عكس ما يكون عليه الوضع قبل التوقيع تلافياً للخربطة. وبالتالي لا يعود هناك خوف من فشل التفاوض، بل بعد التوقيع ستصبح هناك حرية غربية اكثر في التحرك وفي تثبيت السياسات التقليدية حيال شتى القضايا. وحتى لو حصل «ديل» مع ايران، فسيكون ذلك مراعياً تماماً لمصالح الغرب. وما يتم القيام به من الغرب في المنطقة هو التحضير لهذه المرحلة عبر تعزيز العلاقة الاميركية الخليجية وهذا ما يتجلى في قمة كامب ديفيد، فضلاً عن تعزيز برنامج التدريب للمعارضة السورية وتكثيفه اكثر مما هو الآن بدءاً من تموز المقبل بعد الاتفاق مع ايران، وعدم اللجوء الى ذلك قبل التوقيع عليه، تلافياً للتأثير سلباً على مساره، وافشاله. كما ان هناك حرصاً اميركياً على ان لا تشهد المنطقة انفجارات كبيرة تؤثر على التفاوض.
هذه السياسة محتملة، حيث لا خوف دولياً نتيجتها من ان تتراجع ايران عن الاتفاق مع الغرب. ذلك انها ستفعل مصلحتها بما يخص الاتفاق، واذا ارادت ان تتلاعب بالاتفاق مثلما كانت تفعل كوريا الشمالية، والرئيس العراقي السابق صدام حسين، فستفرض عليها عقوبات مجدداً. اذ ما يناقش الآن في التفاوض الحالي مع ايران، آلية محددة تقضي باستعادة فورية وسهلة للعقوبات على ايران اذا خالفت الاتفاق. الغرب يرى ان ملفات المنطقة ليست السبب الذي سيجعل ايران تخالف الاتفاق، اذا ارادت مخالفته، فتكون هناك عقوبات محددة مقابل اي خرق محدد. على العكس الغرب سيعود الى مواقفه التقليدية التي تتوافق مع مصالحه، وفي هذا الاطار ليس من مصلحته تسليم المنطقة الى ايران واعتماد المشاكل مع الخليج. مثلاً على ذلك، اقتصادياً ليس من مصلحة الغرب ان تتحكم ايران بسعر النفط.
الموضوع اللبناني يتأثر الى حد كبير حالياً بالعلاقات المتأزمة بين الخليج وايران، واذا انتظر الانفراج بينهما، فالمسألة بعيدة وفقاً للمصادر. لا يزال الغموض يلف مصير الوضع اللبناني في ظل التعقيدات في الحل لملفات المنطقة وتوقيت ذلك. امام ما يحصل في سوريا والعراق واليمن تبقى مشكلة الرئاسة اللبنانية بالنسبة الى الدول مسألة داخلية، واذا لم يحصل انتخاب رئيس في المرحلة القريبة، فهناك استقرار يسود البلد، مع عدم السماح بانزلاق وضعه الى العنف. وفضلاً عن ملفات المنطقة هناك مصير عملية السلام وما اذا كان الرئيس الاميركي باراك اوباما سيقوم بمبادرة ما للحل قبل انتهاء ولايته ام لا.