لبنان ليس اليونان… لكنها مسألة توقيت فقط
الاستحقاق الذي شهدته اليونان اليوم لا يمكن أن يمر في لبنان من دون أن يترك أثرا في النفوس والعقول. لبنان ليس اليونان، لكنه قد لا يكون أفضل حالا. على الأقل، اليونان امتلكت القدرة لكي تختار بين التقشف او مغادرة أوروبا، لكن لبنان قد لا يحظى بفرصة الاختيار اذا انهار.
منذ اجتماع مجلس الوزراء الأخير، تبدو الامور متجهة الى التصعيد، على خلفية التصويت لإقرار الدعم للتصدير البحري للمنتجات الزراعية والصناعية. طبعا، المعترضون ليست لديهم تحفظات على مضمون قرار الدعم لانقاذ الموسم الزراعي، وضمان عدم خسارة الاسواق التي يصدّر اليها لبنان مزروعاته، بل يعترضون على مبدأ تغيير آلية اتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية.
وبالتالي، يتم التعاطي مع قرار دعم التصدير على المستوى السياسي على أساس انه عملية جس نبض، قد يمضي بعدها المجلس في اتخاذ القرارات اللاحقة بالطريقة نفسها، وهذا ما لا يريده المعترضون.
في النتيجة، البلد موعود بـ«انفجار»، والوضع الاقتصادي الذي حذّر «نداء 25 حزيران» من انه وصل الى مرحلة دقيقة فعلاً، سيكون الضحية للتصعيد المنتظر، بصرف النظر من المسؤول سياسياً، عن صب الزيت على النار في هذه الدوامة. وهناك مجموعة من الحقائق والاستحقاقات تترتّب على شل عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، يمكن تسليط الضوء على هذه الملفات من ضمنها:
اولا- وضع المالية العامة. وقد تصل الحكومة الى مرحلة العجز عن دفع الرواتب في ايلول المقبل. بالاضافة الى استحقاقات الدين التي ينبغي دفعها، ومنها استحقاق بحوالي 500 مليون دولار في آب المقبل. وقد سبق لمصرف لبنان أن اضطر الى التدخل لدفع استحقاق يوروبوند بقيمة تقارب الـ500 مليون دولار أيضا في حزيران الماضي. والاستمرار في الاعتماد على المركزي يعتبر مجازفة بالنظر الى طبيعة مهام مصرف لبنان الاساسية.
ثانيا – القروض التي قد يخسرها لبنان، وأهمها قرض البنك الدولي المخصص لمشروع بسري وقيمته 474 مليون دولار، الذي يسقط نظرياً حق لبنان به في 20 تموز الجاري.
ثالثا – المشاريع الحيوية التي قد تنعكس سلبا على الحياة اليومية للناس، وفي مقدمها مشروع النفايات الصلبة. ومن المعروف ان 17 تموز الجاري، أي بعد حوالي عشرة ايام فقط، سيتم اغلاق مطمر الناعمة من دون وجود بديل.
رابعا – مشاريع القوانين المجمدة بسبب الشلل، والتي من شأنها تسهيل شؤون الناس. وهناك لائحة طويلة بهذه المشاريع الحيوية التي يصعب التقدير ما هو القانون الاهم فيها، لأنها كلها تشكل حاجات حيوية.
يعتبر تعديل قانون مكافحة تبييض الاموال، وإقرار قانون التصريح عن نقل الاموال براً، ومنع الازدواج الضريبي، من القوانين التي ينتظرها المجتمع الدولي لئلا يضطر في ايلول الى وقف التعامل المالي مع لبنان.
كذلك هناك التعديل البسيط الذي يحتاجه القانون الجديد للايجارات لكي يصبح نافذاً. هذا القانون الذي يُفترض انه مشروع حل نهائي لأزمة مزمنة تحول بدوره الى مشكلة. على الاقل، من دون هذا القانون كانت المشكلة قائمة لدى المالكين القدامى فقط.
لكن مع وجود قانون هو موضع جدل اذا كان نافذاً ام لا، صارت المشكلة تطاول المالك والمستأجر والقضاء. وهنا تجدر الاشارة الى ان المحاكم المختصة أصبحت متخمة بقضايا الخلافات في تطبيق قانون الايجارات. والأحكام لا تصدر، لأن القضاة أنفسهم غير متفقين اذا كان القانون نافذاً ام لا.
واذا صدرت احكام قليلة فانها تصدر متناقضة، بحيث ان قاض قد يحكم على اساس ان القانون نافذ، فيما يحكم قاض آخر على اساس ان القانون غير نافذ. بالاضافة الى ذلك، هناك قانون سلامة الغذاء، هذا الملف الذي شغل الناس لفترة طويلة، تحول الى الادراج بسبب تعطيل المجلس النيابي. وهو يشكل حاجة حياتية.
كذلك هناك مشاريع قوانين عديدة تنتظر عودة الحياة السياسية الى طبيعتها لكي تقر ومن أهمها قانون افادة المتقاعدين من خدمات العناية الصحية في الضمان الاجتماعي.
هذا غيض من فيض، والبلد لا يستطيع ان يستمر في اجواء التعطيل القائمة. ومن يعتقد ان لبنان ليس اليونان، واننا في مأمن من احتمالات الافلاس، يخطئ في تقديراته حتماً، لأن البلد ينفق حاليا من رصيده، وما من رصيد لا ينتهي اذا كان الخلل بين الانفاق والايرادات مستمرا. انها مسألة توقيت فقط.