جميل هو الانتصار، والأجمل منه معرفة كيفيّة استثمار هذا الإنجاز على الصعيد الوطني العام. عندما تدخل إلى مكتبه يساورك شعور بالزهو والعنفوان بعيداً من الغرور. نتحدّث عن قائد الجيش العماد جوزف عون.
في حديثه نبرة الثقة العالية بالنفس وبالمؤسسة العسكرية اللبنانية وهو على رأسها، بعد القائد الأعلى للقوّات المسلّحة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون.
يروي لي: «أعددت الخطة الكاملة لشنّ الهجوم على مقاتلي «داعش» وإخوانه وشركائه، وتوجهت إلى الرئيس ميشال عون عارضاً الخطة».
سؤال: هل كان لدى رئيس الجمهورية أي تحفظ أو ملاحظات؟
جواب: «إطلاقاً… وأعطى الموافقة على الفور، والملاحظة الوحيدة التي أبداها ظهرت في حرصه على عناصر الجيش والأمل بأن تكون خسائر الجيش من الشهداء في الحدود الدنيا. لأن الرئيس عون تدمع عيناه عندما يبلغه نبأ استشهاد أي من العسكريين».
ويتابع: «كذلك الأمر مع رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أطلعته على الخطة فوافق أيضاً عليها. وتمّ بعد ذلك تحديد ساعة الصفر لتبدأ المواجهة الشاملة للداعشيين».
وكان ما كان من المعارك والمواجهات مع فلول «داعش».
* هل من مفاجآت؟
– المفاجأة كانت في سرعة إنجاز المهمّة وفقداننا عدداً محدوداً من الشهداء أقلّ بكثير مما وضع في التقديرات الأوليّة.
كان هدف الهجوم تحرير الأرض من «داعش»، ومعرفة مصير العسكريين المختطفين. وعندما تمّ إنجاز الهدفين توقف القتال لتبدأ المرحلة الأخيرة وهي الأقسى بالنسبة إلينا كجيش، ألا وهي معرفة مصير العسكريين الذين تمّ اختطافهم. ويقول العماد عون: «هذا هو الجانب المأسويّ من هذه المواجهة، لكن هذا هو قدر الجندي وهو يدافع عن الوطن وعن كرامة المواطنين».
وأطرح عليه السؤال التقليديّ: ماذا بعد؟
لديه الجواب على الفور: «المهمّة مستمرة في تعقب كل ما ومن يرتبط بالإرهاب… لذا، يجب إبقاء العيون ساهرة على بقايا داعشية هنا أو هناك».
ومن تداعيات معارك السلسلة الشرقيّة أنها قضت على مَن قضت من «داعش»، ومَن تبقّى تمّ شحنه إلى خارج الحدود في مواكب «الباصات المكيّفة» وهي التي أثيرت حولها تأويلات كثيرة. وفي هذا المجال، يُختصر الوضع كالآتي: «تبلغ المساحة التي توزع عليها عناصر «داعش» نحو 120 كيلومتراً مربعاً تمكّنت قوى الجيش اللبناني من تحرير ما يقرب من مئة كيلومتر عندما طلب «الداعشيون» التفاوض، فتوقفت العملية العسكريّة، وبعدما تمّ تحديد مصير العسكريين المختطفين المأسويّ.
وفي حفل تكريم الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية «فجر الجرود»، والذي أقيم في قاعدة رياق الجويّة، قال لهم العماد جوزف عون: «إن المعركة التي خضتم غمارها بقرار حازم ورؤية واضحة كانت على المستوى العملاني وبشهادة قادة الجيوش الصديقة والخبراء والمحلّلين العسكريين والدوليين… أكثر من ناجحة بكل المعايير والمبادئ العسكرية. أما عن سرعة حسم المعركة وإنجازها خلال أيام معدودة، ثلاثة أيام، فيعود إلى الحرفيّة القتاليّة في الأداء والى التنسيق والتكامل بين مختلف أسلحة الجيش البريّة منها والجويّة واللوجيستيّة والإدارية».
وإذا طرح السؤال على العماد جوزف عون عن التقويم العام لما حصل، يجيب كالآتي:
«لقد انتصرتم وانتصر بكم الجيش والوطن وباتت مؤسستكم في ظل الالتفاف الشعبيّ العارم حولها تتوسط البلاد كما تتوسط الأرزة العلم».
وبعد…
لقد حقق الجيش اللبناني في مواجهاته الأخيرة مع «داعش» انتصاراً نوعياً غير مسبوق ضد «الوحوش الكاسرة» التي اعتصمت بالجرود العالية من البقاع وسلسلة الجبال الشرقية لثلاث سنوات. واليوم تطهرت كل هذه المنطقة وما يجاورها من دنس الإرهابيين من نوع «داعش».
وثمة ملاحظة يجب التوقف عندها والإشارة إليها بالخط الأحمر وهي الآتية: عندما يتأمّن الغطاء السياسيّ للجيش اللبناني ولسائر القوى الأمنيّة، تثبت هذه القوى أنها في مستوى التحديّات التي تواجهها، وهذه القوى هي ذاتها التي تخوض الآن المعارك الاستباقيّة، والتي أدّت إلى القبض على مجموعات إرهابيّة كانت تعدّ لسلسلة اعتداءات في الداخل اللبناني وفي مناطق مختلفة.
ودعاء من مواطن عاديّ: حفظ الله الجيش ليحفظ لبنان من إرهاب «داعش» وما يعادله.
في المقابل، على كل حريص على الجيش من أهل الحكم وصنّاع القرار أن يدعم هذا الجيش بالمزيد من العتاد والعديد.
وأغادر مكتب العماد عون وهو يعدّ ملفاته لزيارة واشنطن.
وعلى رغم كل ما يبذله الجيش في المعارك الأخيرة والانتصارات التي حقّقها، لا يغيب عن البال التنبه إلى الأخطار الأخرى، ضمن حزام النار المحيط بالمنطقة، وفي طليعة هذه الأخطار تبقى «الحالة السوريّة» مصدر أنواع أخرى مما قد يعبث بالأمن اللبنانيّ.
لقد كتبنا في المقال السابق وعبر هذا المنبر بالذات «أن الحرب السوريّة دخلت مراحلها النهائية. وهذا تطوّر إيجابي لافت لكن الصفحة التالية بعد إغلاق صفحة حرب سورية تعني كل اللبنانيين سواء في حاضرهم أو في مستقبلهم». وعندما أشرنا إلى «ما قد يكون قادماً إلى لبنان من خلف الحدود السوريّة»، كنا نود ولا نزال لفت الأنظار إلى المعلومات التي ترتسم في الأفق غير البعيد، والعمل على تحديد المضار والأخطار إذا ما أدرك صُنّاع القرار في لبنان مدى أهميّة التوافق على مواجهة ما يعصف آتياً من على ضفاف بردى.
ومن منطلق الحرص على المصلحة الوطنيّة العليا، يجب وضع ما هو متاح ومتوافر من معلومات في هذا المجال.
وعلى ذمّة الراوي، أضع الأمور بتصرّف مَن يعنيهم الأمر.
حدّثني ديبلوماسي أميركي مخضرم وهو في موقع متقدّم من الملف اللبنانيّ واستطراداً الملف السوري قال:
«حين تنتهي الحرب في سورية – هذه النهاية لم تعد بعيدة المنال – كما ظهر عبر السنوات الست السابقة الماضية، على لبنان أن يكون في حال استنفار لمواجهة الأعاصير التي تهبّ من الباديّة السورية باتجاه لبنان».
وكان من الطبيعي أن تجعلني هذه المعلومات في حال من القلق الشديد، والقيام بكل ما يمكن لإبعاد اضطرار الوطن لأن يشرب الكأس المرّة، مرة جديدة.
وفي سياق سردي متصل: ما هي أبعاد العاصفة التي نشأت عن اللقاء بين وزير خارجيّة لبنان جبران باسيل ووزير خارجية سورية وليد المعلّم والعاصفة الهوجاء التي أحدثها، وما سيتبعها في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة؟!
وكالعادة، لكل حدث في لبنان أكثر من تفسير وتأويل. مصادر اعتبرت اللقاء خروجاً عن مبدأ «النأي بالنفس» الذي أقرّته الحكومة الثلاثينية. فيما الفريق الآخر يدافع ويبرّر مقدماً الطرح الآتي: لقد عقد الاجتماع في مبنى الأمم المتحدة، حيث تلتقي جميع الدول تحت المظلّة الدوليّة، هذا أولاً، وثانياً: يقيم في لبنان أكثر من نصف سكانه من السوريين فكيف يمكن التفكير بحل لقضية النازحين السوريين وإعادتهم إلى مدنهم وقراهم بمعزل عن التنسيق مع النظام القائم؟
على أن التفسير الذي أعطاه وزير الداخلية في الحكومة اللبنانيّة نهاد المشنوق ألهب مشاعر كثيرة عندما اعتبر أن لقاء باسيل – المعلّم اعتداء صارخ على رئاسة الحكومة وعلى رئيس الحكومة سعد الحريري!
وذهب البعض إلى إعطاء مزيد من التفسيرات للاجتماع اللبناني – السوري بلغ حد طرح السؤال: هل حان الوقت لإحراج الرئيس الحريري وإخراجه من رئاسة الحكومة؟
أيضاً وأيضاً هناك مزيد من الحملات التصعيدية كذهاب بعض الأوساط إلى اعتبار لقاء نيويورك كأنه خروج سافر عن «صيغة العهد»، والتي قضت بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية وأتت بالرئيس الحريري رئيساً للحكومة. وبمعزلٍ عن تداعيات اللقاء النيويوركي، وما سيفرزه من أزمات يمتزج فيها الشخصي بالرسمي والعكس بالعكس.
وفي العودة إلى القسم الأول من هذا المقال وعن العلاقات اللبنانية – السورية، ومع الاحترام لأصحاب الرأي القائل بضرورة استمرار مقاطعة نظام الرئيس بشار الأسد، هناك تيار آخر أو أكثر ينظر إلى الأمور في شكل مغاير.
وفي تفصيل للفقرة الأخيرة، تساؤل يطرح نفسه: كيف يمكن تأمين إعادة النازحين إلى سورية من دون التخاطب مع النظام الذي ما زال قائماً حتى إشعار آخر، بخاصة بعدما أسقط كثر من زعماء العالم مطالبة بشار الأسد بالرحيل الفوري وترك مصيره ليقرره الشعب السوري في انتخابات مقبلة؟
أيضاً وأيضاً: كيف يمكن لبنان أن يكون له أي موقع في عمليات إعادة الإعمار في سورية، وما أكثر ما خلفته الحروب المتعاقبة؟ وما أكبر ما يمكن لبنان من المساهمة في هذه العملية، خصوصاً أن الرئيس الحريري طرح هذا الموضوع وغيره مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة موسكو؟
وفي الكلام الأخير:
مطلوب الكثير من التنبه واليقظة للعصف الآتي عبر سورية، كأن «عملية ما» تقوم على «تصدير الحرب» وويلاتها إلى لبنان في طريقها إلى التنفيذ.
وأقل ما يمكن أن يقال: حذار من «الخفة» في التعاطي مع مستجدات المرحلة! ألم يدرك اللبنانيون بعد محاذير الحروب الأهلية ومن كل حدب وصوب؟