IMLebanon

لبنان يترنّح بين التصنيف والشلل الحكومي

هنالك قروض وهبات معلقة تفوق الـ1,2 مليار دولار كل ما تنتظره انعقاد مجلس النواب، الذي انعقد للتجديد لنفسه ولمعاشات أعضائه وتعويضاتهم، لكنه لا ينعقد من اجل حاجات لبنان واللبنانيين.

نتائج اعمال المصارف اللبنانية في تراجع قياسًا بزيادة الودائع، ومعدلات الربحية على رأس المال، وهنالك تخوف من خفض ما يسمى التصنيف قياسًا بالمخاطر التي تواجه النقد والاقتصاد اللبناني، وتكاثرت آراء الذين يتناولون الشأن الاقتصادي والمالي بالتعليق أو التحليل والتي تنذر بالويل وتراكم المخاطر في حال تخفيض تصنيف لبنان الائتماني لدى Standard & Poor’s، Moody’s او Fitch، اي مؤسسات التصنيف الدولية.

التصنيف السيئ يبعد المستثمرين عن الاستثمار في لبنان كما يؤدي الى ارتفاع معدلات الفائدة على الدين العام. ولبنان نجح حتى تاريخه في تفادي تصنيف سيئ واستمر في الاقتراض بمعدلات فائدة أدنى مما دفعته بلدان اخرى تحوز مثل مستوى التصنيف الذي اعطي للبنان. ومن اجل توضيح ابعاد اضرار التصنيف السيئ نريد القول ان مؤسسات التصنيف هذه لم تعتمد سواء بالنسبة إلى لبنان أو غيره معايير تفيد بالفعل عن المخاطر، هذا اذا كان في الإمكان تحديد المخاطر مع انقضاء الوقت، وسبق لنا أن كتبنا في “النهار” أن مؤسسات التصنيف الدولية الاوسع تأثيرًا هي في حاجة الى التصنيف، وقد تعرض كل من شركة Standard & Poor’s وMoody’s لعقوبات ملحوظة لمنحها تصنيفات ممتازة لمؤسسات ضخمة افلست عقب تصنيفها بأنها تحوز أرفع درجات التصنيف. وللتذكير فإن مصرف “ليمان براذرز” الاميركي، الذي كان في تشرين الاول 2008 أحد أكبر ثلاثة مصارف في العالم، أفلس بعد منحه نجوم التميز من Standard & Poor’s وMoody’s، وكذلك كان الامر مع مجموعة AIG اي المجموعة الاميركية للتأمين، التي كانت كبرى شركات التأمين في العالم في ذلك التاريخ.

هنالك دلائل كثيرة ومهمة ومفيدة على عدم استقلالية مؤسسات التصنيف الدولية، ولئلا نبدو كأننا نغالي في هذا التقويم، نستعيد مقطعاً من كتاب Ben Bernanke رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي اي المصرف المركزي الاميركي، بين 2006 و2014. يعتبر توصيات مؤسسات التصنيف بعيدة عن الحقيقة والواقعية، لكن هذا التصنيف، على رغم ذلك، امر يشغل الناس والمستثمرين.

لقد وضع بن برنانكي، الذي أشرف على عمليات انقاذ المصارف والاقتصاد الاميركي ما بعد تفجر انهيارات قروض تملك المساكن والمجمعات التجارية واعتماد وسائل تسويق احتيالية، كتابًا عن خبرته خلال سنوات الازمة، وهو صار رئيساً لمجلس الاحتياط الفيديرالي اوائل 2006، وتخلى عن منصبه بعد انقضاء ثماني سنوات وكان في امكانه تجديد ولايته لكنه شاء الرجوع الى عالم التدريس وتوفير المشورة والكتابة عن خبرته المستفيضة ولنا افادة منها.

كتاب برنانكي الصادر عام 2015 عنوانه The Courage To Act أي شجاعة اتخاذ القرار – وما أحوجنا في لبنان الى من يتشجع على القرار بدل انتظار الفرج لاشهر وسنوات – وفي الصفحة 139 من هذا الكتاب الفقرة الثانية التي نترجمها حرفيًا، يقول:

” العديد من المقرضين – وهؤلاء يشملون المودعين في المصارف – اعتمدوا على تصنيفات المؤسسات المختصة لتقويم الضمانات المتوافرة. والتصنيفات اصدرتها مؤسسات خاصة – وأهم المعروفين منها Standard & Poor’s، Moody’s وFitch – وكانت هذه المؤسسات تصدر التصنيفات بعد حصولها على اجور التصنيف من المؤسسات المصنفة. وحينما بدأت تظهر خسائر في اعمال مصارف وشركات محترمة سوقت سندات ضماناتها عقارية، فقد المستثمرون ثقتهم بمؤسسات التصنيف”. وكذلك هو حاكم للمصرف المركزي الاميركي فقد احترامه لهذه المؤسسات واعتبرها من اسباب الازمة المالية العالمية.

ان مؤسسات التصنيف التي تخفض تقويم قدرة لبنان – الدولة – ومؤسساته على الوفاء بالتزاماتها، لا تقوم بعملها على وجه افضل مما عبر عنه رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي الاميركي. ومن المعلوم ان Standard & Poor’s غرمتها السلطات القضائية الاميركية 500 مليون دولار لانها وفرت تصنيفا ممتازا لقروض عقارية جرى تسنيدها على يد أحد أكبر المصارف الاميركية أي J.P Morgan، ولا تزال المقاضاة جارية مع شركة التصنيف هذه، وشركة Moody’s لتصنيفات ممتازة ظهر انها تخفي مخاطر الافلاس السريع.

كلامنا بالطبع لن يعتبر انه يوفر وقاية تجاه نتائج تصنيف المؤسسات المعنية لبنان بصورة سيئة. فهذه المؤسسات التي تدافع عن اعمالها وتصنيفاتها أمام القضاء الاميركي والاوروبي لا تزال تعتبر مرجعًا في نطاق المعاملات المالية الدولية، مع العلم ان سلطات الاتحاد الاوروبي اقترحت منع مؤسسات التصنيف هذه من العمل في اوروبا لكن القرار لم يصدر بعد.

ونعود الى لب الموضوع.

الأمر الأهم من تصنيفات Standard & Poor’s وMoody’s هو تسيير الشأن السياسي والقضائي اللبناني وتفاعل مؤسسات الدولة بعضها مع البعض بشكل منتظم وحضاري ومعني بخير اللبنانيين، والمحافظة على معطيات لبنان الطبيعية والبشرية وبعث الامل في نفوس اللبنانيين. واللبنانيون اصبحوا رافضين لمؤسسات الحكم المجمدة، ويحثهم على ذلك المؤشرات السلبية سواء على مستوى نتائج المصارف او على مستوى حركة المبيعات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتجارة الجملة.

إن اهمال السياسيين لموجباتهم، فلا جلسة تشريعية منذ زمن، ولا مناقشة لمشروع موازنة كما يفترض بدءًا من شهر تشرين الاول، ولا جلسة طبيعية عادية لانتخاب رئيس للجمهورية، ولا مجلس للوزراء لاقرار معالجة النفايات، ولا بصيص أمل في تحسن الاداء الحكومي، كلها مظاهر سلبية تنذر بأن صورة الدولة باتت معرضة للاهتزاز وقلق الشباب اللبناني حول المستقبل مشروع، وهجرة الشباب المتعلم نزف للموارد الاهم في أي بلد، أي خسارة لطاقات المعرفة والابتكار والارتقاء.

ليتحسن اداء السياسيين، لتنعقد جلسة لتأمين القروض والمنح للبنان، وجلسة لانتخاب رئيس، وحينئذٍ لا تعود تصنيفات مؤسسات مأجورة عن صحة الاقتصاد ذات اهمية. المرض من عندنا وقد تغلغل في النفوس وبات يتعايش مع الشخصية اللبنانية لسوء الحظ والطالع.