لم يدفع التخطيط الإيراني للاستيلاء على لبنان بتؤدة وتمهّل العرب للتفكير في أهميّة لبنان وأنّه كان «حجر الزاوية» في المخطط الإيراني للتغلغل في المنطقة، ربّما لأنهم منذ تشكيل جامعة الدول العربيّة ودور لبنان المؤسس فيها واقعون تحت تأثير «هرطقات» الدولة السوريّة التي لا تعتبر لبنان دوله ذات سيادة، أو أنّه كما يصفه غالباً «تحقيراً» له ولشعبه وزير الخارجية السوري وليد المعلّم بأنّه دولة «ثانويّة»!
لماذا لم يفكّر العرب يوماً أنّ لبنان ضرورة أولى وقصوى لأمنهم الاستراتيجي، للأمانة طرحتُ هذا السؤال على كثيرين ومن كافة الشرائح الإجتماعية، مثقفين وكتاب ومحللين وسياسيين، لم يعطني أحد جواباً واضحاً أو شافياً، من المفارقات أنّ إيران فكّرت بأهميّة لبنان لتمدّدها في كلّ المنطقة من بوّابة لبنان الذي غالباً صنّفه العرب دولة «ترفيهيّة» ليس إلا، فيما وبحسب حجة الإسلام فخر روحاني – سفير إيران في لبنان – في مقابلة أجرتـها معه صحيفة اطلاعات الإيرانية في نـهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان: «لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون»، ما بُعْد النّظر الإيراني هذا؟!
منذ تفجير المارينز والمظليين الفرنسيين في تشرين الأول 1983 طردت إيران الغرب من منطقة الشرق الأوسط وهذا الغرب هرب من المنطقة بأسرع ما يمكن، منذ مجيء الخميني إلى المنطقة فهم النظام الإيراني أهميّة إرهاب العالم، بالرغم من كلّ الغطرسة لا تستطيع أي من هذه الدول تحمّل تبعات التظاهرات الشعبيّة فيها، ولا لاضطراب حبل الأمن والتفجيرات، فلتبقَ النار بعيدة في ديارٍ بعيدة، ولْنَبِع السلاح للمتحاربين وللعرب الخائفين الذين يشترون ترسانات سلاح لا يستخدمونه حتى للدّفاع عن أنفسهم، عندما اندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانيّة كان باستطاعة الدول العربية والإسلامية أن تبني جيشاً عرمرماً، إلا أنّهم اختاروا أن يضحّوا بالجيش العراقي وأن يحارب عنهم صدّام حسين، وما زالت المنطقة تدفع الثمن!
من الصّعب التصّديق أنّ الغرب ينوي لجم إيران أو حتّى أنّه يملك القدرة على لجمها، من السّخافة مثلاً التصّديق أنّ التعاون العسكري مع هذا الغرب قد يلجم إيران أو يغيّر ذرّة في سياستها، في الأساس هذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدّة الأميركية يدّعي أنّه يفرض عقوبات على إيران منذ الثمانينات، وهذا الادّعاء لم يمنع إيران من زعزعة استقرار الشرق الأوسط والدول العربيّة، ولا تزال العقوبات هي الطريق، وهذا طريق طويل ومملّ استغرق عقوداً حتى الآن وإيران لا زالت قائمة فيما المنطقة تلفظ أنفاسها!
التعاطي مع الدول المارقة والإرهابيّة يحتاج إلى عقليّة مختلفة، مغامرة إيران في المنطقة ستنتهي، ولكن الثمن سيكون غالياً جدّاً على دول كثيرة، ولكن الثّمن الأكبر سيدفعه لبنان بكلّ تأكيد لأنّ العرب لم يفكّروا فيه يوماً مثلما فكّرت إيران، لطالما اعتبر العرب أنّ لبنان الحظيرة السياحيّة لعباءتهم، ولطالما منّوا على لبنان بأنّهم يساعدونه وإذا غضبوا منعوا قدوم رعاياهم إليه!
ألم يحن الوقت بعد لأن يُدرك الإخوة العرب أن لبنان حجر زاوية لاستقرار المنطقة، ألم يحن الوقت بعد لأن ينظروا إليه ويدركوا قيمته الحقيقيّة مثلما أدركتها إيران منذ أربعة عقود من الزمن؟!