لبنان مهدد بالإجهاد المائي الخطير
ارتفاع الحرارة درجتين يخفّض الغطاء الثلجي بنسبة 40%
لبنان مهدّد بخسارة ثروته الأهمّ: المياه! هذا التوقّع الخطر قد يتحوّل واقعاً محتوماً، في حال استمرار التفريط بهذا المورد الحيوي والأساسي للحياة. بحسب مركز البحوث في «بلوم بنك» إن سوء إدارة قطاع المياه في لبنان، وتأثّر هذا القطاع بعوامل كثيرة أبرزها تغيّر المناخ والتلوّث وعشوائيّة الاستثمار، قد تدفع باتجاه معاناة لبنان من إجهاد مائي خطير، ينعكس حكماً على نوعية الحياة فيه!
تشير دراسة أعدّها معهد «الموارد العالميّة» الأميركي، بمناسبة اليوم العالمي للمياه، إلى حلول لبنان ضمن 33 بلداً مقبلاً على إجهاد مائي مرتفع، بحلول عام 2040، واللافت أن 14 بلداً من ضمن هذه البلدان يقع في منطقة الشرق الأوسط (مثل البحرين والكويت وفلسطين وقطر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان).
يرتكز مركز البحوث في «بلوم بنك» إلى هذه النتيجة، للتأكيد على أن الطبيعة الديناميّة لهطول الأمطار في لبنان، لن تبعد عنه هذا السيناريو المُحتمل. يقول رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة اللبنانيّة ورئيس دائرة المناخات في المديريّة العامّة للطيران المدني، الدكتور طارق سلهب، أن «لبنان لم يسجّل، تاريخياً، الكمّية نفسها لهطول الأمطار سنوياً، إذ بلغت كمية الأمطار المتساقطة في عام 1990 نحو 360 مم، فيما ارتفعت إلى 1154 مم في عام 2009. لكنّه رغم ذلك، لم يشهد خلال خمس سنوات متتاليّة انخفاضاً في كميّات تساقط الأمطار، وتالياً لم يلحظ الجفاف حتى الآن».
هذه التطمينات تقابلها مجموعة من العوامل التي يستعرضها مركز البحوث في «بلوم بنك»، وتهدّد هذه الثروة، كتغيّر المناخ، والاستخدام العشوائي للموارد المائيّة، وارتفاع الطلب على هذا المورد الأساسي، فضلاً عن ارتفاع نسبة التلوّث. للإشارة إلى أن «الفقر المائي قد يكون مصيراً محتوماً للبنان في حال استمرّت الأمور على ما هي عليه».
أسباب القلق!
عملياً، لا يستثمر لبنان إلّا جزءاً صغيراً من المياه التي يملكها. بحسب الأرقام المتوافرة من وزارة الطاقة والمياه، يستفيد لبنان من سدّين فقط هما؛ سدّ القرعون على نهر الليطاني بسعة تخزينيّة تبلغ 220 مليون متر مكعّب، وسدّ شبروح الذي يتغذّى من مياه الأمطار ومن نبع اللبن وهو ذو قدرة تخزينيّة تبلغ 3 ملايين متر مكعّب. وعلى الرغم من ذلك، لا يتمّ استغلال أكثر من 30 مليون متر مكعّب فقط من سدّ القرعون لتلبية الطلب على المياه وريّ المزروعات في السهول المجاورة، فيما أكثر من 40% من الموارد المائيّة المجمّعة تُفقد بسبب التسرّب في البنية التحتيّة، أمّا الكمّيات المتبقية فتستعمل لتوليد الكهرباء.
إضافة إلى ذلك، تشير دراسة أعدّها البنك الدولي في عام 2008 إلى معاناة لبنان من «عدم تطابق مزمن بين إمدادات المياه والطلب عليها. إذ أن استمراريّة الإمداد بالمياه منخفضة نسبياً، ويبلغ متوسطها نحو 7.6 ساعة يومياً في الصيف و13 ساعة يومياً في الشتاء. وهو ما سمح ببروز ظاهرة مقدّمي المياه من القطاع الخاصّ لسدّ النقصّ، بعيداً من أي رقابة على نوعية المياه ومصدرها وسعرها، إذ تتخطّى الرسوم السنويّة التي يدفعها المواطن للحصول على شحنات المياه من القطاع أضعاف أضعاف الرسم الثابت الذي تفرضه الحكومة بقيمة 200 دولار أميركي».
لا تتوقف الأسباب التي تدعو للقلق على ثروة لبنان المائيّة، عند هذا المستوى من سوء الإدارة، بل يُضاف إليها، استغلال الموارد المائيّة بطريقة عشوائيّة وخطرة، نتيجة غياب الرقابة المفروضة من الجهات الرسميّة، وتنامي سطوة الأيدي «الخاصّة» على هذا المورد العامّ. بحسب دراسة أعدّها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن «عدد الآبار غير المرخصّة في لبنان، هو أعلى ثلاثة أضعاف، من الآبار المرخّصة. ويقدّر عدد الآبار غير القانونيّة بنحو 59 ألف بئر، أي ما يعادل 6 آبار غير قانونيّة لكلّ كيلومتر مربّع مقابل بئر غير قانوني لكلّ كيلومتر مربّع في إسبانيا»، ويخلص برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دراسته للقول إن «لبنان يستغل في شكل مفرط طبقات المياه الجوفيّة من دون التفكير في العواقب. هذا الإفراط في ضخّ المياه الجوفيّة يؤدي إلى تسرّب المياه المالحة إلى الخزّانات الجوفيّة المسامية ويزيد من خطر الجفاف».
من العوامل المؤثّرة على الثروة المائيّة، أيضاً، يشير مركز البحوث في «بلوم بنك» إلى التلوّث. تقول مديرة برنامج «الطاقة والبيئة» التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جيهان سعود، إن «التقييم الشامل لقطاع المياه، وقياس وفرة هذا المورد، لا ينبغي أن يعتمد على مستوى المتساقطات أو المياه المُلتقطة، بل إن التركيز الحقيقي يجب أن يستند إلى نسبة المياه الآمنة المتاحة أو بتعبير آخر نسبة المياه الصالحة للاستعمال المنزلي أو الزراعي. وفي لبنان، تعاني الموارد المائيّة من مستويات عاليّة من التلوّث، ومعالجتها مكلفة جداً». عملياً، إن الأنهار وينابيع المياه الجوفيّة في لبنان، هي ضحية إلقاء النفايات المنزليّة والصناعيّة.
تهديد آخر يضاف إلى العوامل المؤثّرة على الموارد المائيّة وهو تغير المناخ، الذي بات ظاهرة واضحة بالفعل. وفق مصلحة الأرصاد الجويّة في المديريّة العامّة للطيران المدني، بلغت درجة الحرارة القصوى في بيروت، في آب 2005، نحو 30.8 درجة مئويّة، في حين بلغت نحو 34.1 درجة مئويّة في الفترة نفسها من عام 2015. وبحسب وزارة الطاقة والمياه «كلّما ارتفعت الحرارة درجة مئويّة واحدة، سيتقلّص الحجم الكليّ للموارد المائيّة في لبنان بنسبة تقدّر بنحو 6 إلى 8%. ومن المتوقّع أن يؤدّي ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين إلى انخفاض الغطاء الثلجي بنسبة 40%، وهي نسبة ترتفع إلى 70% مع ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية، ما سينعكس سلباً على إعادة شحن الينابيع وموارد المياه الجوفيّة، وبالتالي على معدّل إمدادات المياه. وتقدّر تكلفة انخفاض إمدادات المياه في عام 2020 بنحو 21 مليون دولار، وفي عام 2040 بنحو 320 مليون دولار، وفي عام 2080 بنحو 1.2 مليار دولار».