هناك شبه اجماع داخلي وخارجي على ان الاشهر الثلاثة المقبلة سوف تكون الأصعب والأخطر على منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً على سوريا والدول المحيطة بها، ومن ضمنها لبنان. وقد يكون لبنان الاكثر تأثراً بالاحداث المقبلة المتوقعة، لأسباب عدّة محلية وخارجية، أبرزها ان الحكم في لبنان غير مستقرّ ويعاني من ثغرات عدة، أولها عدم وجود رئيس جمهورية والشلل الذي يضرب عمل الحكومة والمجلس النيابي، بالتزامن مع وجود مشاكل اجتماعية واقتصادية ومالية ناتجة من عدم وجود موازنة عامة، وتراجع مخيف في الجباية ان كان بالنسبة الى الكهرباء والماء، او الى المستحقات المتراكمة على العديد من المؤسسات التجارية والصناعية والحرفية والسياحية، اضافة الى الانفاق غير المجدي وغير المدروس، خصوصاً ان كلفة النزوح السوري الى لبنان وصلت الى حوالى 11 مليار دولار، وهي مرشحة للارتقاع بعد التحذيرات الديبلوماسية التي تتوقع نزوح اكثر من مائة الف سوري جديد من مدينة حلب وريفها، امّا لماذا الى لبنان وليس الى تركيا والدول العربية الأخرى، وهي الأقرب الى حلب، فلأن هناك على ما ظهر منذ مدة، مؤامرة قيد التنفيذ على الارض، تقضي بتوطين السوريين النازحين في لبنان، في ظل صمت رسمي، حكومي وسياسي، من فريق معيّن يرفض حتى البحث في الامر، ويتهم من ينبّه الى المخاطر المحدقة، بالعنصرية والاستغلال السياسي، ولكن هذا الفريق لم يحرّك ساكناً عندما حذّر مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم من توطين النازحين السوريين، لأنه سيتسبب باندلاع الحرب الاهلية في لبنان، في حين ان عدداً من الدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا، بتشجيع اسرائيلي ومساعدة اقليمية، تجهد ليتحوّل النزوح الى توطين، ولم ينسَ اللبنانيون بعد نداء بان كي مون امين عام الامم المتحدة الى الدول التي تستضيف نازحين سوريين، يطالبها بمنح النازحين الحق في العمل والمسكن والتقديمات الاجتماعية، وعدم ترحيلهم الى بلادهم، وقد اصبح مفهوماً جيداً لدى اللبنانيين، ان تقديم المساعدات «بالقطّارة» من قبل الدول المانحة الى لبنان، هدفه دفع لبنان الى القبول بالتوطين خلافاً للدستور، مقابل ثمن تدفعه هذه الدول، لن يفيد الاّ بتغذية الحرب المتوقعة التي اشار اليها اللواءا براهيم.
* * * *
ان الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، قد تكون كافية لوقف النزوح السوري المتوقع في الايام القليلة المقبلة عبر المعابر الشرعية، ولكن الحدود اللبنانية – السورية، تعجّ بالمعابر غير الشرعية التي يتسلل منها المدنيون والمسلّحون، واكبر برهان على خطر هذه المعابر، العدد الكبير من النازحين السوريين الذين يتم اعتقالهم لأنهم دخلوا لبنان بصورة غير شرعية ولا يملكون اوراقاً ثبوتية، وهم موجودون تقريباً في كل مدينة وبلدة وقرية من لبنان، والدول التي تحترم سيادتها وأمنها وشعبها، تعمل على منع التجوّل في فترات محددة في كل محافظة، لاجراء مسح شامل للسكان يدعى «التعداد السكاني». يمكن من خلاله تسجيل ارقام صحيحة بنسبة عالية جداً في استمارات موضوعة لمثل هذه الحالات، ولكن حكومتنا لا تحترم سيادة هذا الوطن ولا استقلاله ولا دستوره، وتغامر بوقوع حرب اهلية لأنها اجبن من ان تتصدّى لكارثة من هذا النوع المميت، وهي ملهية بالكيديات والنكايات والحسابات الطائفية والمذهبية، وموضوع تعطيل المديرية العامة لأمن الدولة اكبر مثال على ذلك، ولا اعرف كيف يقبل الوزراء والنواب الكاثوليك وغير الكاثوليك بهذا الاحتقار الصريح لمطاليبهم من قبل الحكومة ورئيسها، وهي مطالب محقّة وقانونية ودستورية وميثاقية، واذا كانت الحكومة تتعامل بهذه الخفّة مع قضية واضحة وعادلة، فكيف يمكن ان ننتظر منها حسن التعامل مع قضية خطيرة بمستوى بقاء لبنان او زواله، بحدوده الحالية وشعبه الحالي، وهو المهدد بحدود مختلفة وشعب مختلف؟!
يبقى ان اردد ما قال يوماً الشاعر «انني أسمعت لو ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي».