يقر المراقبون لاول مرة منذ «انفجار» سلسلة الازمات الاخيرة التي تشهدها البلاد، بوجود مخاوف جدية على الوضع الاقتصادي اللبناني في ضوء استمرار حال الركود والاضطراب السياسي نتيجة الفراغ الرئاسي ،والتحديات الكبيرة لا سيما تلك المنتظرة بفعل القانون الاميركي في حق حزب الله، معطوفة على الكمّ الهائل من النازحين السوريين.
اوساط في 14 آذار اشارت الى ان ما خفي من رأس جليد الاتصالات والمشاورات الجارية في باريس يرتبط بالوضع الاقتصادي اللبناني،الذي دخل حدود الخط الاحمر ما قد ينذر بانهيار شبكة الامان الدولية والاقليمية الراعية للاستقرار بما فيه الامني، من هنا كانت المحادثات المطولة مع الرئيس سعد الحريري ابان زيارته الاخيرة للاليزيه، والمعمّقة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اكد على متانة الوضع المالي مقدما تطمينات ازاء استمرار الامساك به، رغم اقراره بان بقاء الاوضاع السياسية والاجتماعية والامنية على حالها من دون معالجات جذرية سيرتب حتما نتائج سلبية.
واذا كان الاختلاف في السياسة بين واشنطن وباريس قد دفع بالاخيرة الى التريث في بحث مبادرتها لبنانيا، فان تعاظم التهديدات حث الاولى على التحرك العاجل اولا في ملف اللاجئين ،حيث سيعقد مؤتمر بدعوة اميركية ايلول المقبل لبحث سبل تقاسم عبء النازحين الى دول الطوق السوري وخطة توزيعهم حول العالم، وثانيا تزايد الاشارات عن «مسعى» باتجاه روسيا القادرة بعلاقاتها مع الجمهورية الاسلامية، رغم التباين في بعض المواقف، على حملها على تقديم التنازلات العاجلة المطلوبة في هذه المرحلة والضرورية لصيانة الوضع اللبناني ومنع انهياره على حدّ قول المصادر نفسها، في مقابل تعهدها بتحريك قنوات التواصل مع المملكة العربية السعودية لحملها على القبول بضم طهران الى مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان و«مجموعة اصدقاء سوريا» بما يقلّص حجم نفوذها السلبي ويتيح المجال امام انطلاق التسويات. بحسب الاوساط، التي لفتت الى ان زيارتي مساعد وزير الخارجية الأميركي، لشؤون الطاقة والنفط والغاز آموس هوكشتاين، ومساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب دانيال فلايزر الى بيروت، رغم طابعهما الاقتصادي والمالي، فإنهما لا تنفصلان عن السياسة والأزمة الرئاسية، ذلك ان واشنطن تدرك ان احد اسباب التأخير الاساسية في اقرار المراسيم المتعلقة بالنفط، هو التعطيل السياسي وشلّ عمل مؤسسات الدولة، من هنا الدعم لأي مبادرة ترتبط باستعجال إنتخاب الرئيس وإطلاق عمل المؤسسات بشكل فعلي وفاعل، الامر نفسه الذي ينطبق ايضاً على الوضع المالي حيث ان الإستقرار المصرفي لا يمكن ان يستتب دون استقرار سياسي.
اما الخط الثالث الذي يعمل عليه فرنسيا على ما تؤكد المصادر في 14 آذار فهو تفعيل المحادثات مع الرياض التي تركز في جانبها الآخر على اقناعها بالعودة الى لعب دورها التاريخي في حماية لبنان سياسيا واقتصاديا وماليا وعدم انكفائها عن ساحته خوفا من ان تملأ الفراغ جهات اخرى توظفه ورقة في بازار مصالحها الاقليمية، آملة ان يكون العشاء الجامع الذي اقامه السفير علي عواض عسيري خطوة اولى في هذا الاتجاه، لتثبيت دور المملكة كوسيط ايجابي في حلّ العقدة الموجودة في المنطقة ومن ضمنها أزمة لبنان، خاصة ان جميع الأطراف الحاضرة رحّبت بالدور السعودي الذي يؤمّن نوعاً من الإستقرار في لبنان سياسياً واقتصادياً، رغم تبلغ المعنيين ان الغاء مكرمة المليارات الاربعة للقوى الامنية والعسكرية اصبح واقعا فعليا، ورغم استمرار حرب حزب الله الكلامية ضد السعودية.
وفي هذا السياق، تكشف المعلومات المتداولة عن أن تأجيل زيارة ايرولت يفسر بأن ليس لدى الفرنسيين ما يطرحونه بشأن الأزمة اللبنانية،لافتة الى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح مبادرة تلقفتها معظم الأطراف، وبالتالي لا بدّ من انتظار بلورتها داخلياً، حيث لوحظ أن القوى السياسية لم تهاجم المبادرة التي بدت عقدتها الاساسية في قانون الإنتخابات الحائر بين المختلط والعودة الى قانون الستين الذي تعاطت كل القوى السياسية معه بمرونة رغم التصريحات الرافضة نظراً لرغبة كل الأطراف بضرورة الخروج من حالة الإنسداد العقيمة التي وصلت إليها الأزمة، وخارجيا ، خاصة بعدما اصبحت الأزمة اللبنانية متشعبة ومتداخلة مع قضايا المنطقة، وبات من الصعب جداً فصلها، إلا إذا توفرت الإرادة الفعلية لدى القوى السياسية المحلية.