حاول لبنان الرسمي على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون مرّة جديدة إقناع المجتمع الدولي بضرورة مساعدة لبنان على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم كونهم باتوا يُشكّلون عبئاً خطراً عليه، وكون شروط العودة قد أصبحت متوافرة، والوضع الأمني، وفقاً للتقارير الدولية، أضحى مستقرّاً في غالبية المناطق السورية، فضلاً عن أنّ الدولة السورية قد أعلنت ترحيبها بعودة أبنائها. فقد ناشد الرئيس عون في كلمته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك «كلّ زعماء العالم لكي يُساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة الى سوريا، خصوصاً أنّ مسؤولية معالجة النزوح لا تقتصر على لبنان وحده، بل هي مسؤولية دولية مشتركة تحتّم تعاون الجميع على إيجاد الحلول لها وبصفة عاجلة». فهل نجح لبنان في تغيير موقف المجتمع الدولي تجاه أزمة النزوح، وما الذي يمنع عودة النازحين الى بلادهم حتى الآن وخصوصاً أنّ الأمن قد عاد الى سوريا منذ أكثر من عام؟!
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّ مواقف غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن من عودة النازحين السوريين لم تتغيّر، وإن كانت بعض الدول، أصبحت تتعاطف أكثر مع الواقع اللبناني في ظل وجود نحو مليون ونصف نازح سوري على أراضيه، في ظلّ وضع اقتصادي متردٍّ يزداد سوءاً، فضلاً عن قبرص واليونان وإسبانيا التي تنوي عقد اتفاقات مع لبنان في عدة مجالات. وأشارت الى أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تريد لهذه العودة أن تتحقّق، وكذلك غالبية الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية لا سيما السعودية والدول الخليجية، وذلك لأنّه، على ما حذّر الرئيس عون، تريد «تحويل النازحين رهائن في اللعبة الدولية للمقايضة بهم عند فرض الحلول والتسويات». فهذه الدول مجتمعة لا تريد لنظام الرئيس الحالي بشّار الأسد أن يستمرّ بل تريد فرض انتقال السلطة السياسية في سوريا قبل حلول العام 2022 موعد الإنتخابات الرئاسية المقبلة. وهي تخشى بطبيعة الحال، من أن تُساهم عودة النازحين السوريين من دول الجوار والخارج والذي يُشكّل عددهم أكثر من 6 ملايين نازح في إعادة تعويم النظام الحالي، أي في انتخابه مجدّداً، وخصوصاً أنّ جميع العائدين سيكونون من المؤيّدين له، فيما الباقون في الخارج لا شيء يمنعهم من التصويت ضدّه.
ولهذا تقوم الدول الكبيرة والمؤثّرة في المنظمات الدولية ولا سيما منها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، على ما أضافت، بالضغط عليها لتقديم المساعدات للنازحين حيث هم، في لبنان ودول الجوار، في الوقت الذي توقف فيه المساعدات عنهم والتي هي أساساً غير كافية لهم وتُبقي غالبيتهم تحت خط الفقر المدقع والديون المتراكمة، في حال عودتهم الى سوريا. وهذا ما يجعل العائدين لا يتمكّنون من استعادة حياتهم الطبيعية في بلادهم في وقت قصير، فيما المطلوب من هذه المنظمات تطبيق برامج لعودة آمنة وكريمة لكلّ النازحين الراغبين بالعودة الى مناطقهم سيما أنّ الهدوء يسود غالبية المناطق السورية منذ أكثر من سنة.
من هنا، فإنّ أيادي خفية، على ما أكّدت الأوساط، وقد باتت معلومة، تُعيق عودة النازحين السوريين ولا تُسهّل لهم بالتالي إعادة التوطين في بلد ثالث، في حال كان قسم منهم لا يرغب بالعودة الى بلاده إمّا لمحاربته ضدّ النظام أو خشية طلبه للتجنيد الإجباري أو غير ذلك. لكنّها شدّدت على أنّ المواقف السلبية لدول المجتمع الدولي لن تُثني لبنان عن متابعة مسيرة إعادة النازحين السوريين، ولو بمفرده، وعلى مراحل وخصوصاً أنّ كيانه بات مهدّداً. وكشفت أنّ الخطوة الأولى للحكومة بعد الإنتهاء من دراسة موازنة العام 2020، ستكون مناقشة خطّة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب على طاولة مجلس الوزراء لإدخال الإقتراحات والتعديلات ثمّ الموافقة عليها كخطّة وطنية لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، والبدء بتطبيقها. علماً أنّ لبنان الذي يُؤيّد المبادرة الروسية بشأن إعادة النازحين التي لا تزال تنقصها الأموال الكافية، قد تمكّن بمفرده عن طريق جهود مديرية الأمن العام من إعادة نحو 318 ألف نازح حتى الآن، وسيُواصل مهامه لإعادة أكبر عدد من النازحين على دفعات أكبر بالتعاون والتنسيق مع السلطات السورية من أجل إزالة كلّ ما يعيق عودة الراغبين من وثائق ومستندات رسمية وغير ذلك.