Site icon IMLebanon

حصيلة الإنتفاضة: لبنان موحد بكل طوائفه وساحاته

 

 

لعلنا بتنا في بلد آخر، ما نراه في لبنان الآن، لا علاقة له بلبنان الذي نعرف. كان حلماً لنا وشعاراً غير قابل للتصديق أو التطبيق، لبنان الواحد المتجاوز لطوائفه ومذاهبه ومناطقه وزواريبه الجغرافية والإجتماعية والنفسية.

 

وفجأة … انقلبت أوضاع الشعب اللبناني رأساً على عقب، ومنذ تلك الليلة التي انطلقت منها مظاهرات لم تؤخذ في حينه على محمل الجد. ولكن ما إن أطل ذلك الصباح المشرق منذ سبعة أيام على ذلك الشعب اللبناني الجديد بأعلامه اللبنانية المرفوعة في كل مكان في ساحات بيروت وطرابلس ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وخاصة خاصة تلك الجموع المذهلة التي فاجأت الجميع في مدن الجنوب والبقاع، العلم اللبناني وحده مرفوع والشعارات اللبنانية وحدها تصدح في كل الأجواء والأنحاء، إنها المعجزة … ولكنها حصلت ومضى عليها حتى الآن قرابة الأسبوع، هي الأحلى والأغلى وهي هدية الأيام للبنان وأهله، هي القوة التي لا تغلب طالما هي منطلقة من وحدة اللبنانيين على هذا النحو الرائع الذي ما زلنا حتى الآن نعيش نشأته وبدايات هي جملة الآمال والأماني المعقودة عليه. إنه شعب بأسره وقد صبر على أوضاعه السيئة كل هذه السنوات الطويلة، حتى نهش الجوع جسده وفكره وتطلعاته، وتجاوزها إلى مصير أولاده ومعاناتهم مع اللقمة المتعسرة والمدرسة بأقساطها الباهظة وصولاً إلى المدرسة الرسمية وقد أصبحت تعج بأولاد اللبنانيين وسواهم، تحتاج إلى واسطة السياسيين مثلها مثل الطبابة والدواء والوقوف على أبواب المستشفيات، وتحمل الطرد المهين لمن لا يستطيع تأمين المال اللازم لولوج المستشفى وتلقي ولو الحد الأدنى من العلاج. كفر اللبنانيون نتيجة معاناتهم الطويلة والقاسية بالسياسة والسياسيين جميعاً، وهتفوا بأصوات داوية : كلّن يعني كلّن، واضطر حاكم البلد الفعلي إلى توجيه إنذارات داوية إلى الجميع منذراً ومحذراً : إياكم والإستقالة وإلاّ ستحاكموا!

 

وجاءت الكلمة التي صدرت عن رئيس مجلس الوزراء، معترفة بهول الصدمة التي فجرتها الأحداث الطارئة بصدقيتها وأهميتها، وأخذ لنفسه مهلة ثلاثة أيام لتقديم الحلول!! واستغرب الجميع كيف أن أزمة مستفحلة حتى العظم ومستمرة منذ سنوات طويلة يمكن حلها بهذه السرعة الخرافية، ولم تسلّم الجموع الغفيرة بهذه (القدفة) ولم توافق على القرارات والتدابير التي اتخذت بعد مرور المهلة معتبرة أنها صادرة عن نفس الحكومة التي فقدت الثقة والمصداقية، وأن هذه الإقتراحات والقرارات هي مجرّد غشاء تغطي به أزمة مستفحلة لم يعد يحلها إلا قرارات ثورية يأتي في طليعتها، استقالة الحكومة واستبدالها بحكومة جديدة، بعضهم اقترح لرئاستها الرئيس الحريري نفسه على أن تضم جملة من الوزراء التكنوقراط الجدد، وبعضهم الآخر طالب بحكومة جديدة كلياً، كل ذلك وسط صمت مذهل لرئيس الجهمورية الذي مالبث غائباً عن شاشات التصاريح بصورة كلية. وبقي «خليفته» المنتظر الوزير جبران باسيل، يتكلم من القصر الجمهوري، منتزعاً صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومصدراً التعليمات والأوامر، وصولاً إلى إلزام وزير الإعلام بإقالة مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السيدة لور سليمان رغم كفاءتها المعروفة وتفانيها في العمل الجدي كما يؤكد عليه معظم أهل الإعلام، ولعل وزير الإعلام الذي قد يصبح قريباً على رأس وزارة ملغاة وغير موجودة قد ارتكب خطأ جديداً (فاول) طاول مسيرته الوزارية.

 

وماذا بعد؟ الشعب في غالبيته الكاسحة ومن منطلقات لبنانية نظيفة ومستجدة على الحياة اللبنانية، بات في المكان الموحد الموزع على ساحات البلد بجميع تنوعاتها وانتماءاتها الطائفية والمذهبية والمناطقية، واهل السلطة … وفي طليعتهم الممسكون بمفاتيح التحكم بكل مقاليد الحياة السياسية في هذه البلاد التي انقسمت إلى دولة مسكينة، طائعة ومستسلمة لإرادات غريبة ولتحكم قوى طائفية أجنبية تطمح إلى مدّ التسلط الإيراني الفارسي على امتداد جملة من الدول العربية. وفي طليعتها لبنان. هو القدر الذي لا يبقى على حاله المتردية إطلاقا، ولكلّ زمان دولة ورجال وكل مرحلة من الدهر أحكامها وتقلباتها. وما يحصل في هذه الأيام يوحي بأن الشعب اللبناني قد أراد الحياة، ولا بد أن يستجيب القدر.

 

هي رحلة تحتاج إلى التفاف أقصى ما يمكن من أبناء هذا الشعب حول علمهم المرفوع واحداً لا شريك له في سماء الوطن، وسط شعارات الوحدة الوطنية الحقيقية التي أحاط بها الجميع، وهي في خضمّ انطلاقتها الأولى بقوة وعزم وتصميم، ولا شك أن الأيام المقبلة ستجيء حبلى بالمستجدات.