يترقب اللبنانيّون ما سيقوله الليلة رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع في إطلالته التلفزيونيّة، وسط ضبابيّة سوداويّة تخيّم على المشهد اللبناني، مع استمرار غياب الرئيس سعد الحريري لم يعكس معها الحديث عن زيارة لولي عهد الإمارات المتحدة عبدالله بن زايد، طمأنةً وارتياحاً حاسماً ينهيان حالة قلقٍ حقيقيّة وتساؤلات لم تفضي إلى إجابة بعد.
أمام هذه الصورة «الغامقة» جداً، يتساءل اللبنانيّون، انفجار الوضع حتى اللحظة بين السعوديّة وإيران امتدَّ إلى الساحة اللبنانيّة، ولكن كيف ستكون ترجمته مع الغموض الذي يلفّ عدم عودة رئيس الحكومة اللبناني إلى بلده، ولماذا على الساحة اللبنانيّة ما دامت المعركة الحقيقيّة بين السعوديّة وإيران تخاض في اليمن على الحدود السعوديّة؟ وهل فعلاً بإمكاننا أن نصدّق أن استقالة حكومة التسوية في لبنان ستضغط على إيران وحزب الله ليغيّر حزبها سياسته في لبنان أو في المنطقة، خلايا حزب الله نائمة ومستيقظة في دول عديدة من دول الخليج، والمواجهة معه مفتوحة في البحرين والكويت والعراق وسوريا، فأيّ إضافة ستشكّلها الساحة اللبنانية أكثر من إعادتنا إلى 7 أيار العام 2008 مع غلبة مؤكدة لحزب مسلّح بترسانة زعزعت المنطقة فما بالك بلبنان؟!
تجاهل الطريقة التي دخل بها حزب الله الحكومات المتتالية منذ العام 2005 يزيد اللحظة السياسية تأزيماً، فقد «نطّ» حزب الله إلى السلطة التنفيذية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الإحتلال السوري، دخل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد انتخابات العام 2005 لتعطيل المحكمة الدوليّة في خطّة أولى، ثمّ لم يلبث أن انقلب على هذه الحكومة وابتدع مثالثة «الثلث المعطّل» وانقلب على تعهّده بعدم الاستقالة من الحكومة بعد انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة، وجاء بنجيب ميقاتي بحكومة القمصان السود قالباً نتيجة انتخابات العام 2009 ومخرجاً الرئيس سعد الحريري من أولى حكوماته بصورة دراماتيكيّة!
منذ حرب تموز العام 2006 يختبىء حزب الله في الحكومات اللبنانيّة ويخبّىء فيها مشروعه الإيراني، وبالرغم من كلّ هذا لن يستطيع أحد أن يمنع حزب الله من حقّ المشاركة في أي حكومة ستشكّل لاحقاً، حزب الله عطّل حكومة الرئيس فؤادالسنيورة من أيلول العام 2006 حتى أيار العام 2008 وعطل معها انتخاب رئيس للجمهورية، وعطّل انتخاب رئيس للجمهورية مرّة ثانية أكثر من عامين، وما يزال يملك بقوة السلاح قدرة هائلة على تعطيل الحياة السياسية في لبنان، فيما لا يملك كل الفرقاء الآخرين سوى القبول بتسويات ينقلب حزب الله على كلّ تعهداته إزاءها!
ما يُطلب عبر استقالة الرئيس سعد الحريري فوق قدرة لبنان على التحمل، بل يفوق قدرة أي فريق لبناني على تقديمه، النأي بالنفس سياسة ابتدعتها حكومة القمصان السود ورفع رايتها رئيس حكومة حزب الله نجيب ميقاتي، ولكن عندما استدعى المرشد الإيراني علي الخامنئي أمين عام حزبه في لبنان حسن نصرالله إلى طهران ووجّه له الأمر بدخول الحرب السورية ضرب حزب الله أمن واستقرار لبنان بعرض الحائط ولا يزال منخرطاً في كلّ الحروب التي تخوضها إيران في المنطقة العربيّة، كلّ هذا السياق يأخذنا إلى مكان واحد «الأفق اللبناني مسدود»، تماماً كلعبة «الدومينو» عندما تقفل حجارتها دور اللعب، على اللاعبيْن هدّه والبدء من جديد، وهدّ اللعبة اللبنانيّة في يد دول العالم غير المتوافقة، فدول الـ 5 +1 لا توافق دونالد ترامب على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فأوروبا أول المستفيدين استثمارياً من هذا الاتفاق، ودونالد ترامب لم يقل حتى الساعة أكثر من كلام أخذ مقابله مليارات المليارات من دول الخليج ومع هذا انفجر صاروخ باليستيّ في جوار مطار الملك خالد ليل السبت الماضي وتناثرت شظاياه في حرم المطار، إسرائيل نفسها تحجم عن الدخول في مواجهة جديدة مع حزب الله منذ حرب تموز العام 2006، فمن باستطاعته خوض هذه المواجهة مع إيران وحزبها بالنيابة عن دول الخليج العاجزة عن ذلك لأنّ هذه الدول تأخّرت كثيراً حتى استيقظت من تجاهلها للأفعى الإيرانية النائمة في جحر هذه الدول!
أمام هذه المعادلة المستعصية على الحلّ إلا بقرار دولي بضرب حزب الله وإيران معه، وتدمير لبنان على رأس أهله، على العالم أن يجد حلاً للمعضلة الإيرانيّة التي رعتها أميركا وغضّت عنها النظر وورطّت الجيش العراقي في حربٍ مع إيران الخميني استنفدت قدراته وطاقاته وأرهقت اقتصاد أقوى دولة عربيّة، فيما جلس الخليج العربي يشاهد، من دون أن ينتبه أن تدمير جيش العراق سيفتح الطريق أمام أفعى تريد ابتلاع المنطقة كلّها!!
حرامٌ أن يُطالب اليوم لبنان ومعه الرئيس سعد الحريري بتحمّل نتيجة تبعات نوم سياسات الخليج العربي عن مصالحها وأمنها منذ مجيء الخميني إلى إيران، حرام… وبصرف النظر عن هذا الواقع الشائك، المطلوب أن نرى رئيس حكومة لبنان سعد الحريري في العاصمة بيروت وفي أسرع وقت، لأنّ الشكوك تكبر وتزيد، وهذا مشروع وحقّ لكلّ لبناني يسأل أين رئيس حكومتنا، لماذا لم يعد بعد؟!